يحظى دعم البحث العلمي، باعتباره ركيزة أساسية لتعزيز عملية التنمية في المجالات كافة، بأهمية كبيرة من جانب القيادة الرشيدة ممثلة في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ويبدو هذا الاهتمام في كثير من المؤشرات، منها إنشاء مؤسسات عدة، مثل مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في إمارة أبوظبي الذي أُسّس في عام 2020، ومجلس الإمارات للبحث والتطوير، على المستوى الاتحادي، في عام 2021.
وتعد جامعاتنا الوطنية منصة رئيسية لتطوير البحث العلمي، وهي تبذل الكثير من الجهود في هذا السياق، الأمر الذي يرفع بشكل مستمر من مكانتها وتصنيفها على المستويين الإقليمي والعالمي. ومن هذا المنطلق، واستمراراً لرسالتها في دفع التقدم العلمي المستدام، الذي يقوم على اقتصاد المعرفة، أعلنت جامعة الإمارات العربية المتحدة تمويل 132 مشروعاً بحثياً في تخصصات مختلفة، وعبر برامج متعددة، وذلك بواقع 38 مشروعاً ضمن برنامج الأبحاث المتقدمة، و24 مشروعاً في إطار برنامج البحث الاستراتيجي، و48 مشروعاً ببرنامج المنح البحثية لأعضاء هيئة التدريس الجدد، و17 مشروعاً بحثياً تندرج تحت برنامج الأبحاث، بالإضافة إلى مشروعات أخرى.
وقد حرصت الجامعة على تعميم الفائدة على كلياتها المختلفة، فوزعت المشروعات على كليات تطبيقية شملت: الهندسة (37 مشروعاً)، والعلوم (29 مشروعاً)، والطب والعلوم الصحية (20 مشروعاً)، والزراعة والطب البيطري (11 مشروعاً)، وتقنية المعلومات (12 مشروعاً). كما استفادت كليات العلوم الاجتماعية من التمويل أيضاً، حيث خُصصت لكلية العلوم الإنسانية (8 مشروعات)، وكلية الإدارة والاقتصاد (10 مشروعات)، وكلية التربية (4 مشروعات)، وكلية القانون (مشروع واحد).
ولم يقتصر التمويل على مشروعات بحثية يعدها باحثون مواطنون فحسب، حيث خُصصت 5 مشروعات ضمن برنامج زمالة ما بعد الدكتوراه بجامعة الإمارات العربية المتحدة للعمل المناخي، كما توجد مشروعات مشتركة مع جامعات آسيوية. 
ومما لا شك فيه أن هذه المبادرة التمويلية السخية تنطلق من استراتيجية البحث العلمي للدولة، ورؤية «نحن الإمارات 2031»، واستراتيجية جامعة الإمارات للبحث والابتكار (2023-2026)، والتي يربط بينها جميعاً طموحٌ مشروعٌ، يستهدف تعزيز الريادة العلمية للدولة، وبناء كوادر وطنية واعدة، قادرة على خدمتها في مختلف المجالات، وذلك عبر تشخيص مشكلاتها، واستكشاف مقاربات مبتكرة في تحليلها ومعالجتها، واستشراف التحديات المستقبلية، وتطويعها لمصلحة الوطن.
واللافت للنظر، أن الجامعة قد التزمت بتضمين المشروعات الممولة - بالإضافة للجوانب النظرية التي تحقق التراكم العلمي - أبعاداً عملية، تستهدف دعم القطاعات الإنتاجية المختلفة، سواء في مجال الطاقة أو الصناعة أو الزراعة وغيرها، وذلك استناداً إلى رؤية الجامعة لدورها ككيان علمي ومركز تفكير يدرك الأهمية القصوى للموازنة بين مساري التنوير العلمي من ناحية، وخدمة المجتمع وتحسين جودة الحياة من ناحية أخرى.
ولا يخلو الأمر أيضاً من فوائد ستعود على جامعة الإمارات نفسها، حيث تعد المبادرات التمويلية أحد أبرز محددات الارتقاء بالمكانة العلمية للجامعات، وتحسين تصنيفها العالمي بين نظيراتها. وهو أمر تتضح دلالته إذا ما علمنا أن جامعة الإمارات، التي تأست كأول جامعة وطنية عام 1976، جاءت في المرتبة الأولى على مستوى الدولة، والثانية على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والـ38 عالمياً، وفقاً لتصنيف التايمز للتعليم العالي للجامعات الناشئة عام 2023، وذلك ضمن 605 جامعات من 78 دولة، حيث يستخدم هذا التصنيف 13 مؤشراً، تندرج تحت خمس مجالات أبرزها البحث العلمي.
لقد أضحت جامعة الإمارات اليوم نموذجاً يُحتذى، بحثياً وإدارياً، وهو ما يفرض عليها مسؤولية مواصلة تعزيز ريادتها، ويفرض على منتسبيها المستفيدين من برامجها لتمويل البحث العلمي بذل كل الجهود الممكنة للوصول إلى مخرجات نوعية لأبحاثهم، قابلة للتطبيق العلمي، وذلك لمصلحة وطننا العزيز، الذي يسير بخطى حثيثة لمراكمة المزيد من الإنجازات، ويسعى للارتقاء بمكانته كمركز اقتصادي جاذب ومؤثر ومستدام.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية