تؤدي الجامعات دوراً حيوياً وحاسماً في المجتمع عن طريق إعداد أجيال قادرة على التأقلم مع تحديات القطاع الصناعي وسوق العمل، والإسهام في اقتصاد الصناعة للدول. ومع ظهور مفهوم اقتصاد المعرفة، الذي يعتمد على دور المعرفة والابتكار والتكنولوجيا في تعزيز التنمية الاقتصادية، بدأت الجامعات والمراكز البحثية تمارس دوراً اقتصادياً جديداً، ما يفرض على الجامعات تجديد الهيكلية المعتادة فيها لتكون قادرة على الإسهام الفعّال في اقتصاد المعرفة عن طريق بوابة البحث العلمي.
وعلى سبيل المثال توجَد حاضنات الأعمال ومراكز الابتكار في معظم الجامعات حالياً، وتؤدي دوراً فعّالاً في دعم حركة ريادة الأعمال الطلابية التي شهِد بعضها نجاحاً تجارياً، إضافة إلى تأثيرها الإيجابي في المجتمع. وكما نجحت حاضنات الأعمال ومراكز الابتكار في تشجيع الطلاب على تحويل بحوثهم العلمية إلى مشروعات تجارية ناجحة، فإن هناك فرصاً أخرى في سياق تجديد الهيكلية الجامعية بهدف مواكبة اقتصاد البحث العلمي.
وتشمل المبادرات الرئيسة، التي تشجع على التعاون الأكاديمي الصناعي من أجل إنجاز البحوث التطبيقية وإنتاج التكنولوجيا، «مركزية المختبرات في الجامعات»، ففي الهيكلية التقليدية للجامعات تتبع المختبرات الأقسام وفقاً لتخصصاتها، فتكون المختبرات الهندسية -مثلاً- تابعة لعمادة الهندسة، وهكذا. ونظراً إلى سرعة التطور في القطاع الصناعي وزيادة المسؤوليات التدريسية في القطاع الأكاديمي، أنشأت كثير من الجامعات المشهورة بقوتها البحثية، مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، قسماً خاصاً يُعرف بـ«المختبرات الأساسية»، يتولى مسؤولية الإشراف على المختبرات، وتطويرها وفقاً للمناهج الأكاديمية وحاجات الصناعة، وتوفير آلية حجز مفتوحة للجميع، سواء من قطاع الجامعة داخل المؤسسة لأغراض التدريس، أو من قطاع الصناعة لأغراض البحث، ولذلك تعمل مختبرات هذه الجامعات على مدار الساعة من دون توقُّف -على غِرار حفَّارات النفط التي تعمل طوال اليوم- نظراً إلى الاستخدام المتقدم للتكنولوجيا فيها، وعدم تقييدها بأوقات محددة للتدريس.
وتتضمَّن مبادرات تجديد الهيكلية الجامعية جلب الخبرات الصناعية، وإدماجها عن طريق الانتساب في هيئة التدريس، فعلى سبيل المثال يوجَد مصطلح «أستاذ ممارس» الذي يُعد حديثاً نوعاً ما في المنطقة، ويعني إعطاء الأفراد من القطاع الصناعي ذوي الخبرة فرصة التدريس، أو الإشراف على الرسائل البحثية الجامعية، وربطها بتحديات الصناعة في سوق العمل، علماً أن هناك متطوعين كثيرين من أصحاب الخبرة الصناعية يرغبون في تقديم إسهاماتهم إلى القطاع الأكاديمي. ويحقق تفعيل هذا المسمى الوظيفي في الجامعات تعاونًاً أكاديمياً صناعياً مثمراً، مع توجيهات مباشرة من ذوي الخبرة في سوق العمل.
وتضم المبادرات إنشاء قسم مخصص لـ«الوقف المعرفي» يشمل الشراكات العائلية والتجارية الراغبة في دعم اقتصاد البحث العلمي بموجب مبدأ المسؤولية الاجتماعية، سواء عن طريق بناء مختبرات جديدة، أو استحداث كراسي الأستاذية.
*مستشار جمعية المهندسين الإماراتية