تطرح المناسبة الكبيرة Cop28 التي تقيمها دولة الإمارات العربية المتحدة وبإلحاح علائق الأخلاق والقيم بالسياسات على مستوى الدول والمستوى العالمي. فمشكلات تغير المناخ وأخطارها على مصائر البشرية صارت أكبر القضايا التي يُعنى بها الجميع وبخاصة الدول الكبرى والاقتصادات الكبرى المسؤولة في الوقت نفسه عن هذه الاختلالات في البيئات العالمية. وقد انعقدت عشرات المؤتمرات لدراسة المسألة، وصدرت مواثيق وإعلانات وبيانات، بيد أنّ القضية تمثلت دائماً في التخلف في التطبيق من جانب الكبار، أو عدم القدرة على التطبيق من جانب الأوساط والصغار لارتفاع التكلفة أو ضآلة الدعم والمساعدة. وما تحاول دولة الإمارات القيام به ويميز مؤتمرها عن المؤتمرات السابقة ثلاثة أمور: دعوة كل الكبار والأوساط إلى المؤتمر (120 رئيس دولة) من أجل تأكيد الإلزام والالتزام بالسابق، وما يمكن التوصل إليه في المؤتمر وهو نوعي، وبخاصةٍ أنه يعرض نموذجاً للالتزام في ممارسات دولة الإمارات لهذه الناحية، وسياساتها الطويلة الأمد، رغم تعاظم التكاليف. أما الأمر الثاني المميز لـCop28 فهو وسائل الدعم والمساعدة التي تعرضها دولة الإمارات للدول الصغيرة لتخفيف الأعباء عنها في الالتزام، فهذه الدول هي الأكثر تضرراً على كل المستويات، وتوشك أن تصبح في بيئاتها الطبيعية والبشرية ضحيةً لعدم التزام أهل الاقتصادات الكبرى، ولعدم القدرة على التوقيت وسط البيئات العالمية غير الملائمة. دولة الإمارات في خطتها الشاسعة لـCop 28 تطلب من الاقتصادات الكبرى تحمل المسؤوليات على المستوى العالمي، وتعرض الدولة المشاركة مع الكبار والمشاركة في التضامن مع الصغار (في أول أيام المؤتمر جرت الموافقة على صندوق الأضرار والخسائر برأسمال 300 مليون دولار). والأمر الثالث البارز في سياسات دولة الإمارات في Cop28 وفي سائر سياساتها: المسألة الأخلاقية. فعندما تتعاظم المشكلات العالمية في الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية وتكثر الحروب دونما قدرات وإرادات على معالجتها يقول الجميع إنّ الأمر بلغ حدود الأزمة الأخلاقية، وفي سياسات الدولة الإماراتية من سنواتٍ وسنواتٍ طويلة تعود لعهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كان هذا التأسيس للسياسات الداخلية والخارجية على القيم والأخلاق. هناك من يقول إنّ السياسات تتبع المصالح وبخاصةٍ في العلاقات الخارجية. لكنّ رؤية دولة الإمارات تمضي في اتجاه التلاؤم بين الأخلاق والمصالح في السياسات العامة. ويبدو هذا الأمر على خير وجه في إعلانات الدولة عن Cop28، والتي تركز حتى في مخاطبة القوى الكبرى على الأخلاق، بحيث لا تقتصر مقاربات المجتمع الدولي على المصالح فقط. فليس من المصلحة في شيء ولا من السياسات في شيء ولا من الأخلاق في شيء تجاهل مصائر ثلثي البشرية تحت وطأة أزمة تغير المناخ وآثارها على الإنسان والحيوان والطبيعة والعمران.
في الحرب المشتعلة في غزة، سمعنا نداءات المنظمات الإنسانية والأمين العام للأمم المتحدة، وبوريل المسؤول عن السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، لاتباع القانون الدولي، والدولي الإنساني، فلما تعاظم الأمر وسقط آلاف المدنيين تحدثت هذه الجهات وغيرها عن الأزمة الأخلاقية، والمقاييس المزدوجة، وضرورات السلم والعدالة. فهل تؤثر الاعتبارات الأخلاقية بالفعل في السياسات العالمية؟ دولة الإمارات طليعة لهذه الناحية في مسألة السلم في المنطقة والعالم، ومسألة تغير المناخ. ويذكّرنا ذلك بوثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها البابا وشيخ الأزهر عام 2019 في أبوظبي برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. وهذه الوثيقة جرى فيها ذكر أزمة المناخ باعتبارها مشكلةً أخلاقية أيضاً.
*أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية