تشهد دولة الإمارات طفرة نوعية في قطاعات الاتصالات والرقمنة والذكاء الاصطناعي، لترسيخ عملية التنمية المستدامة التي تشهدها الدولة في ظل القيادة الرشيدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ما يتطلب المزيدَ من التطوير المستمر للبنية التكنولوجية لتعزيز آليات تحقيق الأهداف الوطنية، نحو استدامة الحلول والتحول المنشود في القطاعات الخدمية الصحية والتعليمية والتصنيع والمدن الذكية وغيرها. 
وتستضيف دولة الإمارات على مدار أربعة أسابيع، وذلك خلال الفترة من 13 نوفمبر إلى 15 ديسمبر 2023 المؤتمر العالمي للاتصالات الراديوية (WRC-23)، المنبثق عن الاتحاد الدولي للاتصالات، إحدى المنظمات الرئيسة للأمم المتحدة، وذلك تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهو مؤتمر منبثق عن الاتحاد الدولي للاتصالات، الذي يعد أحد أهم وأقدم الوكالات التابعة للأمم المتحدة.
ودعماً للطفرة التكنولوجية المستمرة بالدولة، والهادفة للحفاظ على ريادة إقليمية وعالمية في مجال التطبيقات الرقمية القائمة على الجيل الخامس، تأتي أهمية هذا المؤتمر الذي يمثل مساهمة إماراتية جادة وواعية في توجيه الاهتمام الإقليمي والدولي نحو أسس التنمية الإنسانية المستدامة، ودعم توافقات دولية حول ضرورة تقاسم عادل لموارد الطيف الترددي، بشكل يخدم قطاعات استراتيجية حيوية كالمدن الذكية، ومجتمع المعرفة، والفضاء وغيرها.
وفي الواقع، فإن القيادة الرشيدة لدولة الإمارات تدرك أن الثورة الصناعية الرابعة تقوم على دور محوري لقطاع الاتصالات، وهو ما يحتاج لتقنيات مبتكرة، يمكن من خلالها التحضير لمستقبل رقمي شامل ومستدام، وهو ما يجعل من الضروري التوافق على تحديث لوائح الراديو والاتفاقيات الدولية المتصلة به، ما يؤسس لواقع ومستقبل رقمي أفضل. 
وعليه، تسعى دولة الإمارات من خلال هذا المؤتمر، الذي يعد أهم مؤتمر للاتصالات في العالم، إلى قياس أثر التعاون والشراكات في قطاع الاتصالات على استدامة تقاسم المنافع، وتحريك هذا التوافق لقطاعات وآفاق جديدة، تنعكس إيجابياً على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لمجتمعات عالم بات يقوم على الاتصالات، وهو ما يتطلب توازناً بين احتياجاتنا الراهنة كمستخدمين للطيف الترددي من جانب، وحقوق الأجيال المقبلة من جانب آخر، خاصة أن هذا المورد بات أحد المحددات الرئيسة لرفاهية الإنسان.
في هذا السياق، يركز المؤتمر على قضية محورية هي محاولة مراجعة وتنقيح لوائح الراديو، التي أتت ضمن معاهدة دولية، شكلت أسس استخدام الترددات الراديوية ومدارات الأقمار الاصطناعية، وهو ما يحتاج لبناء توافقات تدعمها جهود دبلوماسية، وطرح مقاربة تحاول دولة الإمارات تطبيقها بما يفضي لتعديلات تؤكد أن الكل رابح، وهو ما يُبنى بالأساس على علاقات دولة الإمارات بالاتحاد الدولي للاتصالات، وهنا تجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات تتمتع بعلاقات وطيدة مع الاتحاد، حيث انضمت إليه في يونيو 1972 أي بعد أشهر قليلة من تأسيس الاتحاد. 
وبانعقاد هذا المؤتمر العالمي، الذي يشارك فيه أكثر من 4500 مسؤول حكومي من 193 دولة، وممثلي 900 منظمة دولية وجامعة وشركة، لبحث مستقبل القطاع، تبرز قدرة دولة الإمارات الهائلة على تنظيم الفعاليات الدولية الكبرى، واهتمامها الكبير بقطاع الاتصالات، ما يدعم محورية دورها في التأثير على أولوياته، وفقاً لقواعد التعاون والتكامل المعمول بها في هذا القطاع المحوري لعملية التنمية الشاملة.
لقد أضحى تطوير التحول والتقدم التكنولوجي المستمر ركناً رئيساً في السياسات العامة لدولة الإمارات وخططها لترسيخ عملية التنمية المستدامة، ما يعزز ريادتها الإقليمية وتنافسيتها على الصعيد الدولي، ويكشف في الوقت نفسه عن سعي الحكومة للمضي قدماً في مجالات تعزز ركائز الرفاهية المجتمعية، وتؤسس لبيئة جاذبة للاستثمارات المالية والبشرية، وتؤكد الجاهزية لمستقبل أكثر ازدهاراً للأجيال المقبلة. 

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية