أصدر البيت الأبيض أمراً تنفيذياً شاملاً بشأن الذكاء الاصطناعي، وهذا أمر لافت من عدة نواحٍ. ولكن الأهم أنه ينشئ وسيلة لتقنين هذه التكنولوجيا المثيرة للجدل وتنظيمها في مرحلة مبكرة، وخاصة أنها تَعد بالتأثير كثيراً على حياتنا. المقاربة الجديدة يجري تنسيقها بشكل وثيق مع الاتحاد الأوروبي، وقد أعلنت عنها الإدارةُ الأميركية أول مرة في يوليو الماضي. ثم سلّط الرئيسُ جو بايدن الضوء أكثر على المقترح خلال اجتماع عقده في سبتمبر الماضي مع مجلس مستشاريه للعلوم والتكنولوجيا في سان فرانسيسكو.

الأمر التنفيذي سيؤدي إلى قدر كبير من التعاون بين القطاعين العام والخاص، وقد جاء توقيته قبل أيام قليلة من اجتماع لقادة شركات التكنولوجيا الكبرى مع مسؤولين حكوميين دوليين في المملكة المتحدة من أجل تباحث مخاطر الذكاء الاصطناعي وفوائده.

ولكن الأمر سيتطلب تقييمات مفصلة – على غرار اختبار الأدوية من قبل إدارة الغذاء والدواء - قبل أن تتمكن الحكومة من استخدام نماذج محددة للذكاء الاصطناعي. وستسعى اللوائحُ الجديدة لتعزيز جوانب الأمن السيبراني المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وتسهيل هجرة علماء التكنولوجيا الموهوبين والمتميزين إلى الولايات المتحدة.

ويبدو أن معظم اللاعبين الرئيسيين في مجال الذكاء الاصطناعي يتفقون مع اتجاه اللوائح الجديدة، كما عقدت شركات متنوعة مثل صانع الرقائق الإلكترونية «إنفيديا» و«أوبن إيه آي» اتفاقات طوعية لتقنين التكنولوجيا وتنظيمها وفق مقتضيات الأمر التنفيذي. وتنخرط في هذا الجهد أيضاً «غوغل»، وكذلك هو الشأن بالنسبة لـ«أدوبي» التي تصنع «فوتوشوب»، والذي يمثّل مصدر قلق رئيسياً بسبب إمكانية التلاعب باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وسيتزعم «المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا» الجانب الحكومي لإنشاء إطار لتقييم المخاطر والتخفيف منها. كل هذا يمثّل خطوات معقولة في الاتجاه الصحيح، ولكن هناك شيئاً غائباً. إذ لا توجد مؤشرات على وجود جهود مماثلة في مجال النشاط العسكري. فما الذي ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها التفكير فيه فيما يتعلق بتقنين الذكاء الاصطناعي وتنظيمه في هذا المجال؟ وكيف يمكننا إقناع الخصوم بالمشاركة في ذلك؟ بدايةً، علينا التفكير في الجوانب العسكرية التي يمكن أن تكون مهمة بالنسبة للذكاء الاصطناعي.

فعلى غرار لحظات مفصلية أخرى في التاريخ العسكري مثل إدخال القوس الطويل، أو اختراع البارود، أو إنشاء أنابيب البنادق، أو وصول الطائرات والغواصات، أو تطوير أجهزة الاستشعار بعيدة المدى، أو القدرات السيبرانية في ساحة المعركة، أو قدوم الأسلحة النووية، فإن الذكاء الاصطناعي سيعيد ترتيب ساحة المعركة بطرق مهمة. وعلى سبيل المثال، سيسمح الذكاء الاصطناعي لصنّاع القرار بمراقبة كل التاريخ العسكري بشكل فوري واختيار أفضل طريقة لتحقيق النصر.

ولنتخيل هنا أميرالاً يستطيع الحصول في الوقت نفسه على نصائح وتوصيات كل أسلافه الناجحين، بدءاً من اللورد نيلسون في معركة الطرف الأغر، إلى الأميرال الأميركي سبروانس في معركة ميدواي، إلى السير ساندي وودوارد في حرب جزر فوكلاند؟ الواقع أنه على غرار ما فعلنا مع الأسلحة النووية، سنحتاج لتطوير حواجز واقية حول الذكاء الاصطناعي، على غرار اتفاقيات الحد من الأسلحة في المجال النووي.

وعند إنشاء هذه الحواجز، يتعيّن على صنّاع القرار أن يأخذوا في عين الاعتبار إمكانية منع اتخاذ قرارات مميتة من قبل الذكاء الاصطناعي (إبقاء الإنسان على اطلاع)، وفرض قيود على استخدام الذكاء الاصطناعي لمهاجمة أنظمة القيادة والسيطرة النووية، وإنشاء مجموعة من القواعد الشبيهة باتفاقيات جنيف تحظر التلاعب بالسكان المدنيين أو إلحاق الأذى بهم باستخدام الصور أو الأعمال التي يولدها الذكاء الاصطناعي، وفرض قيود على حجم ونطاق هجمات «الأسراب» التي يقوم بها الذكاء الاصطناعي باستخدام مجموعات صغيرة ومميتة من أجهزة الاستشعار والصواريخ غير المأهولة.

وقد يكون من المنطقي هنا اتخاذ بروتوكولات «الحوادث البحرية» التي كانت سارية أثناء الحرب الباردة في 1972 نموذجاً، حينما اتفق الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة على تحديد مسافات الإغلاق بين السفن والطائرات، والامتناع عن إجراء محاكاة للهجمات أو التلاعب برادارات مكافحة الحرائق، وتبادل المعلومات الصادقة حول العمليات في ظل ظروف معينة، واتخاذ التدابير اللازمة للحد من الأضرار التي تلحق بالسفن والطائرات المدنية في المناطق المجاورة.

ولا شك أن أوجه التشابه ليست دقيقة تماماً، ولكن الفكرة تبدو منطقية: إجراء حوار حول الحدّ من مخاطر سوء التقدير العسكري الكارثي. وقد يكون بدء حوار داخل حلف الناتو بدايةً جيدةً، حيث يتم تحديد مسار معقول للدول الـ33 المتحالفة فيما يتعلق بالتطورات العسكرية في مجال الذكاء الاصطناعي. ثم يأتي الجزء الصعب، ألا وهو: توسيع الحوار ليشمل الصين وروسيا على الأقل، واللتين تحاولان التفوق على الولايات المتحدة في كل جانب من جوانب الذكاء الاصطناعي.

وخلاصة القول: إن إدارة بايدن تسير على الطريق الصحيح فيما يتعلق بالأمر التنفيذي الجديد. والأكيد أننا بحاجة لإقناع قطاع التكنولوجيا بالانضمام فيما يتعلق بالنظر في مخاطر الذكاء الاصطناعي وفوائده. غير أن الوقت قد حان أيضاً لجعل البنتاغون ينكب على النسخة العسكرية من هذه اللوائح، وليس لإشراك أصدقائنا في الغرب فقط.

جيمس ستافريديس*

*القائد الأعلى السابق لقوات حلف الناتو، والعميد الفخري لكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سيندكيشن»