أصبح المواطن الأميركي العادي أكثر ثراءً الآن مما كان عليه قبل الوباء مباشرة، وهذا التحسن يرجع جزئياً على الأقل إلى الدعم الحكومي للعائلات والشركات في عامي 2020 و2021. وهناك عوامل أخرى بالطبع، لكن من الواضح أن شبكة الأمان القوية تلعب دوراً مهماً ليس فقط في دعم الأُسر، بل أيضاً في دعم الاقتصاد ككل. يحدد أحدث مسح شامل للاحتياطي الفيدرالي للتمويل الاستهلاكي مكاسبَ واسعة النطاق في دخل الأسرة وصافي الثروة من عام 2019 إلى عام 2022.

ففي حين أن الحاصلين على أكبر قدر من التعليم وأعلى صافي قيمة حققوا أكبرَ المكاسب في متوسط الدخل، فقد شوهدت الزيادة في صافي القيمة عبر جميع فئات الدخل. وصافي القيمة هو الفرق بين الأصول والتزامات الفرد أو الأسرة أو الشركة.

وفي هذا الخصوص فقد أثّرت المكاسب في صافي القيمة بالنسبة للأسر وذوي الدخل المنخفض والمرتفع، وأصحاب المنازل والمستأجرين. وبالإضافة إلى البرامج الحكومية، لعب ارتفاع سوق الأوراق المالية وارتفاع أسعار المساكن دوراً هو كذلك. وفي المجمل، ارتفع متوسط القيمة الحقيقية للأصول المالية للعائلات بنحو الثلث خلال السنوات الثلاث التي يغطيها التقرير.ماذا يعني كل ذلك؟ أحد الدروس المستفادة هو أهمية تنفيذ سياسة عامة ذكية في التوقيت المناسب.

وسط ذروة عدم اليقين وفقدان الدخل خلال الوباء، تدخلت الحكومة لدعم الأسر والشركات. ثم، مع إعادة فتح الاقتصاد، كانت الأسر مستعدة للإنفاق مرة أخرى. وأدى الدعم الحكومي إلى أكثر من مجرد المساعدة في تعزيز الطلب، إذ ربما يكون قد ساعد أيضاً في خلق صدمة إيجابية في العرض أي التوسع في القدرة الإجمالية للاقتصاد. وفي البداية، تم إلقاء اللوم على الدعم الحكومي في خلق الكثير من الطلب الذي أدى إلى ارتفاع التضخم. لكن هذا التعافي الذي قاده ارتفاع الطلب أثبت أنه أكثر مرونة من فترات التعافي السابقة. وانخفض التضخم حتى في ظل النمو الاقتصادي السريع ومعدلات البطالة التي اقتربت من أدنى مستوياتها منذ 50 عاماً.

هذا الاقتصاد القوي ليس لغزاً. هناك شيء واحد فقط يمكن أن يسمح بانخفاض التضخم في مواجهة النمو الاقتصادي القوي وانخفاض معدلات البطالة؛ ألا وهو زيادة العرض. من المؤكد أن بعض هذا التوسع حدث بسبب إزالة الاختناقات في سلاسل التوريد. لكن هذه ليست القصة الكاملة. وقد خلق الطلب المرتفع ثروة من الفرص، وكان الأميركيون يطاردونها.

وعلى سبيل المثال، فلنتأمل الازدهار الذي حدث في ريادة الأعمال عقب الوباء مباشرة. ويظهر استطلاع بنك الاحتياطي الفيدرالي أنه في عام 2022، كانت واحدة من كل خمس عائلات تمتلك شركة، وهي أعلى نسبة على الإطلاق. ويُظهر بحثٌ أكثر تفصيلاً أن طلبات الشركات الجديدة وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في يوليو 2020 وظلت مرتفعة خلال هذا العام.

ويُظهر هذا البحث أيضاً أن النمو في ملكية الشركات شمل نمواً كبيراً في معدل التوظيف في الشركات الجديدة، وأن الشركات الناشئة أظهرت مرونة مذهلة خلال الوباء. يمثل هذا الازدهار في إنشاء الشركات الحيوية الأميركية في أفضل حالاتها. لم تتم تلبية الطلب لدى الجمهور، وسارعت الشركات والموظفون لإيجاد طريقة لتلبية هذا الطلب. وبينما بدأ بعض الأشخاص أعمالاً جديدة، سعى آخرون إلى الحصول على وظائف جديدة. غيّر العمال وظائفهم وبدؤوا أعمالَهم التجارية بمعدلات غير مسبوقة، مستفيدين من التغيرات في ظروف العمل للعثور على دخل أفضل، أو عمل أكثر إثارة للاهتمام، أو أكثر ملاءمة لمهاراتهم وحياتهم الشخصية.

ومع مرونة سوق العمل، جاءت فرص الانتقال إلى مكان آخر، مما أدى إلى تغذية سوق الإسكان النابض بالحياة. واليوم، يتم توظيف نسبة أعلى من الرجال والنساء في سن مبكرة مقارنة بما كان عليه الحال قبل الوباء. أما بالنسبة للنساء، فقد سجلت هذه النسبة رقماً قياسياً. ومن الواضح أن دعم الأسر والشركات خلال أسوأ أيام الوباء لم يثبط الدافع أو يخلق جيلاً منفصلاً عن القوى العاملة.

ومع عودة الناس إلى قوة العمل، تمكنت الشركات من الاستمرار في توظيف العمالة وبالتالي التوسع على الرغم من انخفاض معدل البطالة. وما يزال من غير المؤكد ما إذا كان هذا يمثل عودةً دائمة إلى الديناميكية الاقتصادية التي فقدتها أميركا في العقود الأخيرة. لكن من الواضح بالفعل أن الدعم الحكومي يمكن أن يساعد في تحفيز مثل هذه الديناميكية حتى في الوقت الذي يعمل فيه على جعل فترات الركود الاقتصادي أقل إيلاماً.

إن الغرض من شبكة الأمان ليس مجرد مساعدة الناس على تأمين قوت يومهم ومنحهم مسكناً مناسباً، بل كذلك منْحهم الأمانَ الذي يحتاجون إليه لتحمل المخاطر. وعلى مدى العقود العديدة الماضية من التغير التكنولوجي والاقتصادي، ألقت الولايات المتحدة المزيدَ من مسؤولية إدارة المخاطر على عاتق الأسر.

والآن يقع المزيد من مخاطر تكاليف الدراسة الجامعية، والتخطيط للتقاعد، وإدارة الرعاية الصحية، وخسارة الوظائف على عاتق الأسر أيضاً. وهنا يكمن الدرس الأكثر أهمية: ربما يكون هذا الخطر الذي فرض على الأسر في العقود الأخيرة هو المسؤول عن انحدار تشكيل الشركات الجديدة، وهو الأمر الذي جعل الاقتصاديين في حيرة من أمرهم.

خلال الوباء، أزالت الحكومة بعض هذه المخاطر. ولم تكن الأسر مضطرةً إلى تسديد أقساط القروض الطلابية، وغيرها من النفقات. حصل الجميع على بعض النقود من خلال مدفوعات التحفيز، وحصل أولئك الذين لديهم أطفال على المزيد طوال عام 2021. أما أولئك الذين كانوا عاطلين عن العمل فقد حصلوا على ما يكفي من النقود للبقاء على قيد الحياة. كانت أميركا تبتعد عن شبكات الأمان، فخفضت الدعمَ النقدي للأسر ذات الدخل المنخفض وللعاطلين عن العمل خوفاً من خلق التبعية.

لكن السنوات الأربع الماضية أظهرت أن شبكات الأمان يمكن أن تمنح الناس الوقت والأمان لإجراء تغييرات في حياتهم عندما لا تسير الأمور كما هو مخطط لها. ومن المحتمل أن تحفز المزيدَ من المشاركة الاقتصادية. وكانت نتيجة عشرات التريليونات التي أنفقتها الولايات المتحدة على التحفيز ومساعدة الأسر في مواجهة الجائحة، هي ظهور اقتصاد قوي ومرن تحدى التوقعات. وبدأ الأمر كله بأقوى شبكة أمان تمتلكها أميركا على الإطلاق.

بيتسي ستيفنسون*

*أستاذ السياسة العامة والاقتصاد في جامعة ميشيجان.

ينشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»