يكمُن الهدف النهائي للبحوث الأكاديمية والعلمية في فحص تفاصيل الكون، وفَهْمها، واستخدام هذا الفَهْم لتحسين جودة حياة البشر بوجه عام؛ أي أن الهدف الأساسي للبحث هو الانتقال من حدود المختبرات إلى المجتمع الأوسع؛ بهدف ترك بصمة إيجابية دائمة في الجنس البشري.
وأمَّا البحث التطبيقي؛ فهناك ثلاثة أركان رئيسية هي أساس تركيزه، وتتضمن: تقدُّم التكنولوجيا، والنجاح التجاري، والتأثير الاجتماعي. ولا تهدف هذه الأركان الثلاثة، التي توجه البحث، إلى الابتكار التكنولوجي فقط؛ بل إلى ضمان أن يكون هذا الابتكار ذا جدوى تجارية أيضًا؛ والأهم من ذلك أن يكون مفيدًا اجتماعيًّا. ويُعَد تقدم التكنولوجيا القوة الدافعة، في حين يضمن النجاح التجاري الاستدامة والنمو، ويكمُن الجوهر الحقيقي للبحث التطبيقي في قدرته على التأثير إيجابًا في المجتمع، ومعالجة تحديات متعددة، والإسهام في الخير العام.
وتُعَد إدارة البحث والتطوير مفتاح ترجمة المعرفة المكتسبة داخل المختبرات، ونقلها إلى السوق التجارية؛ ما يمهد الطريق لتحقيق أثر في المجتمع. وتنطوي هذه العملية على التحول بسلاسة من المختبر حيث تُنتَج المعرفة، إلى السوق حيث تُسوَّق استراتيجيًّا. وليس الهدف النهائي لها هو إحداث نمو اقتصادي فقط؛ بل تحقيق رفاهية المجتمع عن طريق تقديم منتجات وخدمات وحلول مبتكرة إلى الجمهور.
ومن وجهة نظر الاقتصاد المعرفي ينطوي تحقيق مكانة بلدٍ ينتج المعرفة على اجتياز ثلاث مراحل حاسمة: نقل المعرفة، وتوطين المعرفة، وإنتاج المعرفة. وفي البداية يشكل نقل المعرفة من الكيانات أو مراكز البحث، الركيزة الأساسية؛ ثم تأتي الخطوة الحاسمة المتمثلة في توطين المعرفة المكتسبة، وتكييفها مع السياق واحتياجات المجتمع، وتكوين قاعدة محلية مستعدَّة ومنتجة للمعرفة. وتتمثل ذروة النجاح في إنتاج المعرفة بشكل فعَّال، سواء عن طريق الملكية الفكرية، أو بيع التكنولوجيات؛ ما يؤسس لتحول الدولة مركزًا للحلول الابتكارية والمتقدمة.
وفي الختام يمكن القول إن البحث التطبيقي لديه قدرة كبيرة على تشكيل مستقبل مشرق للمجتمع عن طريق استغلال قوة المعرفة والابتكار؛ وإن التركيز على تقدُّم التكنولوجيا، والنجاح التجاري، والأثر الاجتماعي، يتيح تقليل الفجوة بين المختبر والسوق، وتحويل المعرفةِ فوائدَ ملموسةً لمصلحة البشرية؛ وإن الدول التي تتبنى الاقتصاد المعرفي تستطيع المضي قُدمًا في طريق إنتاج المعرفة على مستوًى عالمي، وتعزيز التقدم والازدهار للجميع.

أ.د. غانم كشواني*
*مستشار جمعية المهندسين الإماراتية