إنْ كان هناك شيء يجب على الناس من كل الأطراف الاتفاق عليه في أزمة إسرائيل وغزة، فهو أن الفلسطينيين يجب ألا يجوعوا. والواقع أن هناك كميات ضخمة من المواد الغذائية والإمدادات الإنسانية الأساسية الأخرى على الجانب المصري من الحدود التي تنتظر السماح لها بالدخول، بينما تتدهور الحالة داخل غزة بسرعة. وعلى إسرائيل ومصر و«حماس» والولايات المتحدة أن تساعد على إيصال هذه المساعدات إلى غزة على الفور. 
وفي هذا الإطار، قالت لي مديرة برنامج الأغذية العالمي «سيندي ماكين»: «لدينا إمدادات عند الحدود مع غزة ونحن جاهزون لنقلها، ولكننا في حاجة للسماح لنا بالدخول للقيام بذلك»، مضيفة: «لا يمكنني أن أكرر هذا بما فيه الكفاية: «إننا في حاجة للسماح لنا بالدخول، ونحن في حاجة لذلك الآن». 
وهناك العديد من منظمات المساعدة التي تنتظر السماح لها بالدخول إلى غزة. ويُعد برنامج الأغذية العالمي أكبرها، وهو منظمة تابعة للأمم المتحدة تموّلها الدول الأعضاء، بما في ذلك الولايات المتحدة. والمنظمة وحدها لديها 951 طناً مترياً من المواد الغذائية الجاهزة للانطلاق بالقرب من الحدود مع غزة في مصر، وهي كميات تكفي لإطعام 488 ألف شخص لمدة أسبوع، وفقاً لتقرير حول الاستجابة لحالة الطوارئ أصدرته المنظمة يوم الأربعاء. 
وفي تصريح له في تل أبيب يوم الأربعاء، قال الرئيس بايدن إن إسرائيل تعهدت بالسماح بمرور الطعام والمياه والأدوية عبر الحدود بين مصر وغزة دون مشاكل. كما قال بايدن إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تعهد بالسماح بعبور «ما يصل إلى 20 شاحنة» من المساعدات الإنسانية ضمن دفعة أولى، اعتباراً من يوم الجمعة الماضي. 
وقال بايدن: «إن شعب غزة في حاجة للطعام والمياه والأدوية والمأوى». 
ويوم الخميس، ظهرت بعض التقارير التي تفيد بالتوصل إلى اتفاق تحت رعاية الأمم المتحدة يقضي بتفتيش مراقبين دوليين لشاحنات المساعدات. غير أن هناك شحاً في المعلومات بشأن كيف ومتى يمكن تنفيذ مثل هذه الترتيبات بأمان. فيوم الثلاثاء فقط قُتل العشرات من المدنيين بالقرب من معبر رفح وسط الضربات الجوية الإسرائيلية. ولهذا، فإنه ما زالت هناك تخوفات أمنية رغم التطمينات الإسرائيلية. 
ومما زاد الموقف تعقيداً قول بايدن إنه لا يمكن للجهود الإنسانية أن تتقدّم إلا إذا امتنعت «حماس» عن سرقة المساعدات أو تحويل وجهتها. وفي الوقت نفسه، ترفض «حماس» السماح للمواطنين الأجانب بمغادرة غزة حتى يتم تسليم المساعدات، وفقاً لمسؤولين أميركيين. 
ومع دخول حصار إسرائيل لغزة أسبوعه الثاني، تُعد 20 شاحنة من المساعدات بمثابة قطرة صغيرة في بحر من الاحتياجات. ذلك أنه منذ بدء القتال، نزح أكثر من مليون شخص في غزة داخلياً، وانتقل أكثر من 600 ألف شخص إلى مناطق في الوسط أو الجنوب، بعد أن أمرت إسرائيل سكان غزة بإخلاء الجزء الشمالي من القطاع، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي. 
ومما يزيد الطين بلة أن النزاع سرعان ما تسبب في تعطل نظام المساعدات الإنسانية الداخلي في غزة. فعلى الرغم من أن برنامج الأغذية العالمي تمكّن من توفير الخبز لأكثر من 200 ألف فلسطيني في 92 مركزاً تابع للأمم المتحدة داخل غزة على مدى الأسبوعين الماضيين، إلا أن المخابز التي تتعامل معه أخذت تشهد نفاد الإمدادات والوقود - أو تعاني من أضرار كبيرة تحول دون استمرارها في الإنتاج. وعلى سبيل المثال، فحينما بدأت دوامة العنف الحالية كان هناك 23 مخبزاً شريكاً لبرنامج الأغذية العالمي يعمل في غزة. أما اليوم، فهناك مخبزان فقط. 
وفي هذا الصدد، قالت لي ماكين: «حتى الآن، قدّمنا مساعدات غذائية طارئة لمئات الآلاف من الأشخاص، ولكن المخزونات بدأت تنفد، ويوماً بعد يوم يزداد العمل صعوبة». 
ويمتلك برنامج الأغذية العالمي أيضاً مخزونات ضخمة من المواد الغذائية في الضفة الغربية والقدس يمكن استخدامها لإطعام الفلسطينيين الجائعين في غزة. ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن أنه لن يسمح بذهاب أي مساعدات من إسرائيل إلى غزة حتى تطلق «حماس» سراح كل الرهائن الذين تحتجزهم. 
وتشير تقديرات «برنامج الأغذية العالمي» إلى أن البرنامج سيحتاج إلى 74 مليون دولار من أجل تمويل الاستجابة لحالة الطوارئ المتعلقة بالأزمة. وقد اضطرت المنظمة لتقليص مساعداتها الغذائية لغزة والعديد من البلدان الأخرى هذا العام بسبب نقص غير مسبوق في التمويل العام بلغ 60 في المئة. ونتيجة لذلك، تم تقليص حصص المساعدات والمواد الغذائية الموزعة في أماكن مثل أفغانستان وسوريا واليمن وغرب أفريقيا. 
في إسرائيل، أعلن بايدن أن الولايات المتحدة ستقدّم 100 مليون دولار لدعم جهود المساعدة الإنسانية. وبسبب ذلك انتُقد بايدن من قبل حاكم ولاية فلوريدا والمرشح للانتخابات الرئاسية رون دي سانتيس. وقال دي سانتيس في تدوينة على منصة إكس: «إن بايدن يرغب في إرسال مساعدات إلى غزة ستدعم النشاط الإرهابي أكثر»، مضيفاً: «إذا انتُخبت رئيساً، فإنني لن أُرسل دولارا واحدا إلى غزة». 
يخطئ دي سانتيس الذي ساوى بين المدنيين الجائعين والإرهابيين، وكذلك نتنياهو الذي يستخدم الطعام سلاحاً في الحرب. فاستخدام الجوع ضد المدنيين الضعفاء في منطقة حرب هو بالضبط ما حذّر وزيرُ الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن روسيا منه مراراً. 
وكان بلينكن قال في يوليو الماضي عن الجهود الروسية الرامية لمنع الطعام عن الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليه: «الخلاصة هو أن ذلك أمر يستحق التنديد، وينبغي ألا يحدث». 
في النهاية، الأمر لا يتعلق بإلقاء اللوم على أحد. فكل الأطراف لديها مسؤولية الكف عن استخدام الطعام لأغراض سياسية والعمل معاً على إنشاء ممرات آمنة للوصول الإنساني إلى غزة، وتوفير الأمان للمنشآت الإنسانية داخل غزة وللمدنيين الذين يرغبون في زيارتها. ومع مرور كل يوم لا يتم فيه القيام بشيء، يعاني المزيد من الأشخاص على نحو غير ضروري. 
وفي هذا الصدد، قالت لي سندي ماكين: «إن الوضع الحالي مقلقٌ للغاية»، مضيفة: «والمدنيون يعيشون جحيماً حقيقياً على الأرض». 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»