ليس الكونجرس وحده الذي يعاني من أزمة هيكلية حقيقية بسبب إقالة رئيسه كيفين مكارثي، وإنما الأمر يطال مؤسسات النظام الأميركي بأكمله في الخارجية والاستخبارات بل، وفي المكاتب الفيدرالية ومراكز صنع القرار، وهو ما يؤكد أن الأمة الأميركية في مأزق لن يصلح معها تعيين رئيس جديد للكونجرس، أو تولي رئيس أميركي جديد خلال عام بمواصفات الرئيس الأميركي الراهن جو بايدن باعتباره رجل دولة.

ميراث حكم الرئيس الأميركي السابق ترامب يلقي بتبعاته على ما يجري، ويطول صراع سياسي حقيقي داخل الكونجرس بما يعمق حالة من التأزم الحقيقي بين «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» ليس فقط حول السياسات، وإنما حول ما سيدير الدفة وتمرير التشريعات، وهو الهاجس الذي يشغل المؤسسات البيروقراطية الأميركية في الوقت الراهن، ويعيد للأذهان طرح مقاربة الدولة العميقة التي يمكن أن تعلن عن نفسها في عشرات المواقف والتوجهات، والتي تحفظ للولايات المتحدة دورها في الاستقرار، وإبقاء الولايات المتحدة أمة فوق الأمم بصرف النظر عن ما تتعرض له من مخاطر حقيقية قد تكون مدخلاً لحالة من عدم الاستقرار العام في الولايات المتحدة نتيجة لما يجري، ويتعلق بخدمة الدين العام وفتح الاقتصاد، وخطط الإنعاش للاقتصاد الأميركي خاصة مع التيقن أن مدة ال45 التي تم الاتفاق بشأنها لمنع الأغلاق له قد لا تكون كافية بالمرة في الوقت الراهن، وأن الجانبين «الديمقراطي»، و«الجمهوري» يستعدان للخطوة التالية مما قد يؤثر على الاستقرار الاقتصادي في الولايات المتحدة في ظل الحكم بإجراءات استثنائية قد تطول، ويملك الرئيس الأميركي جو بايدن صلاحيات ومراسيم فيدرالية للتعامل، ولكنه لا يريد أن يلجأ لخيارات صفرية.

بايدن يريد العمل وفق توافقات، خاصة  وأن الحزب «الجمهوري» يتربص بالسياسات الخارجية ليس في ملف أوكرانيا فقط، بل قد يمتد إلى الدور العسكري الأميركي في بقاع عدة، والأنشطة الاستخباراتية الكبيرة التي تقوم بها الأجهزة الاستخباراتية حول العالم. وقد يعمد صقور الحزب «الجمهوري» إلى الدخول في مساومات، ومقايضات كبرى بهدف الحصول من الرئيس جو بايدن على الكثير من المكاسب خاصة، وأن موسم الانتخابات الاستهلالية قد بدأ، وقد يكون له تأثيراته الكبرى في إطار حرب من نوع آخر، ومع احتمالات التبكير بتوجيه أدلة الاتهام للرئيس جو باين، ونجله إضافة لعدد كبير من كبار مسؤولي إدارته وبعضهم ما زال يشغل مواقع رسمية مما قد يوسع دائرة الاتهام.

أياً كان الرئيس القادم للكونجرس، فلابد أن يأتي من بتوافقات حقيقية، وإلا فإن الموعد المحدد، وهو العاشر من أكتوبر الجاري لاختيار الرئيس سيمر من دون توافقات وستدخل الولايات المتحدة، وليس إدارة الرئيس جو بايدن، أو الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» في متاهة كبيرة، وقد تصاب المؤسسات الفيدرالية، بل ومؤسسات صنع القرار السياسي، والجهاز البيروقراطي للدولة بشلل كامل، وحالة من عدم الاستقرار الكامل ما لم يتم الحسم في الانتقال من اختيار رئيس للكونجرس إلى بناء شراكات جديدة، ولو جزئية ومرحلية لتمرير ما يتم الاتفاق بشأنه خاصة أن هناك عديد من التشريعات، والقوانين معطلة بالفعل، ولا يمكن تمريرها من دون اتفاق، وتوافق بين قيادات الحزبين، فالواضح أن الكونجرس بتركيبته الراهنة، وآليات العمل بداخله تحول إلى غابة بمعنى الكلمة، ولن يكون الأمر سهلاً للتوافق خاصة، وأن شبح الرئيس الأميركي السابق ترامب ما زال يطل على المشهد من أعلى.

وقد يكون وقف، أو تجميد محاكمته او تسويف توجيه الاتهامات جزء من حل في إطار تفاهمات قد تكون حلاً ليرضي الطرفان بما يمكن أن يطرح في الوقت الذي تطرح فيه بعض الأسماء، ومنها حكيم جيفريزو كيفين هيرن وبايرون دونالدزو جيم جوردان وستيف سكاليز وغيرهم ما يؤكد أن المشكلة ليست في الاسم، ولكن في مجمل السياسات التي سيعبر عنها الكونجرس في الفترة المقبلة خاصة، وأن حالة الأمة الأميركية ودخولها حدث الانتخابات الرئاسية سيتطلب مراجعة كثير من السياسات خاصة، وأن التيارات الصاعدة في الكونجرس من الحزبين، والتي تمثل تيارات ليبرالية قد لا تلتزم بسياسة الحزبين، وقد تتبني مقاربات مختلفة.

ما يعني أن حالة التجاذب ستكون مرشحة بقوة في إدارة الأوضاع داخل الكونجرس، وفي ظل تخوف من انفتاح مدى محاكمة الرئيس ترامب، وتهديد مركز الرئاسة الأميركية الراهن بتوجيه الاتهامات لنجل الرئيس جو بايدن ما يعني أن الصراع سيستمر، ولن يحسم بإجراء الانتخابات الرئاسية، والتي ستحتاج إلى شخص توافقي يستطيع أن يجمع الأمة الأميركية، ويخرجها من حالة الانقسام العميقة، والتي ما تزال تعيشها حتى الآن منذ ولاية الرئيس الأميركي السابق ترامب، ومحاولة اقتحام الكونجرس الأمر الذي ضرب إطار الليبرالية والتعددية الأميركية، وأضر بالنموذج الديمقراطي بصورة لافتة لدى دول العالم.. ما يجري أميركياً أكبر من البحث عن رئيس جديد للكونجرس.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.