خسائر متبادلة آخذة في الازدياد هي حصيلة الخلاف الذي تصاعد بين شركات الإنتاج والاستوديوهات السينمائية الكبرى في هوليوود، ونقابتي الممثلين وكُتاَّب السيناريو. الإضراب الذي قررَّته نقابة الكُتاَّب في مايو الماضي، وتبعتها نقابة الممثلين في يوليو، أوقف العملَ في أفلامٍ كان قد بُدئ في صنعها، وفي أعمالٍ جديدة كان مقرراً أن يبدأ العمل بها في الأشهر الماضية. كما تمتد الخسائر إلى أفلامٍ اكتمل صنعها، لكن عرضها أُجِّل، لأن الإضراب يشمل عدم مشاركة أبطالها ومخرجيها في حملات ترويجها وتسويقها، بما في ذلك حضور العروض الأولى.

وهذه مشاركةٌ ضرورية لحفز أعداد أكبر من الجمهور على مشاهدة الأفلام. أرجأت شركاتٌ عِدةٌ عرضَ أفلام جاهزة. وآخرها حتى الآن شركة «وارنر براذرز» التي أعلنت قبل أيامٍ تأجيلَ عرض الجزء الثاني من فيلم الخيال العلمي «دون-بارت تو»، وفيلم الرسوم المتحركة «لورد أوف ذي رينجز». وإن استمر تأجيل عرضهما، وأفلام عدة أخرى، ستكون خسارة الشركة معنويةً وليست ماليةً فقط، لأن فيلم «دون» قد يَفقدُ فرصةً كبيرة في المنافسة على جوائز مهرجان أوسكار.

لكن الممثلين والمخرجين يخسرون كذلك، وخسارتهم مالية ومعنوية أيضاً. فتأجيل عرض أفلامهم الجاهزة يعني غيابهم، ليس عن الشاشات فقط، بل عن الصحافة وقنوات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، وهم الذين تَعوَّدوا على أن يكونوا حاضرين أمام الكاميرات دائماً.وتجلَّت خسارة الطرفين بوضوحٍ أكبر في مهرجان فينيسيا الذي اختُتم الأسبوع الماضي، ومهرجان تورنتو الذي أفتُتح قبيلَ انتهائه في 7 سبتمبر. ويُعد كل منهما بمثابة «بروفة» لجوائز مهرجان الأوسكار. لم يُعرض في المهرجانين أهم الأفلام الأميركية، لأن منتجيها ونجومها ملتزمون بالإضراب.

ومثلهم نجومُ أفلامٍ غير مشمولةٍ بالإضراب، لأنها صُورت خارج الولايات المتحدة. لكنهم التزموا بالإضراب رغم عرض بعض أفلامهم في المهرجانين، واقتصر حضورهم على السير على السجادة الحمراء يوم الافتتاح، بدون الإدلاء بتصريحات أو إجراء مقابلاتٍ عن هذه الأفلام. الطرفان يخسران مالياً ومعنوياً. لكن كلاً منهما يراهن على أنه يستطيع الصمودَ أكثر من الآخر. وهما يتحمّلان الخسائر الناتجة من الإضراب، لأن كلاً منهما يسعى إلى تحقيق مكاسب أكبر إذا خرج من هذه المعركة منتصراً.. شعارُ كل منهما هو خسارةُ اليوم لأجل مكسب أكبر غداً.

والرهانُ على مَن يقول «آه» أولاً شائعٌ في بعض الخلافات حين تتصاعد إلى هذا المستوى. ولهذا فشلت عدة جولات من المفاوضات بين جانبي الصراع الحالي في هوليوود. ولم يتيسر الوصول إلى حل وسط بشأن مطلب زيادة أجور الكُتاَّب والممثلين، فيما تبدو الشركات والاستوديوهات غير مستعدةٍ لتقديم ضماناتٍ يَطلبُها المُضربون بشأن تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبصفةٍ خاصة عدم استغلالها في إنشاء سيناريوهات، أو استنساخ أصواتهم وصورهم لاستخدامها بدون موافقتهم وحصولهم على مقابل مناسب يُرضيهم. معركة مثيرة تشبه في بعض جوانبها «أفلام الأكشن» الأميركية، لكنها في الواقع وليست على الشاشات.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية