منذ عام 1894، تم تحديد أول يوم اثنين من شهر سبتمبر كعطلة فيدرالية في الولايات المتحدة. إذ يحتفل عيد العمال بالحركة العمالية الأميركية ومساهمتها في نمو المجتمع وازدهاره. وفي الرابع من سبتمبر من هذا العام، بدت البيانات المتعلقة بحالة القوى العاملة جيدة، فالبطالة منخفضة وهناك العديد من فرص العمل المتاحة بأجور أعلى لمعظم العمال.

وتطالب النقابات العمالية بشروط أفضل فيما يتعلق بالرعاية الصحية والتقاعد والإجازات.. والأهم من ذلك، الأمن الوظيفي. ويقوم الرئيس جو بايدن بحملته الانتخابية على أساس نجاحه في استعادة الثقة بالاقتصاد الأميركي والآمال في أيام أفضل قادمة.

لكن على الرغم من الأخبار الجيدة، ما تزال معدلات تأييد بايدن منخفضة، وما يزال العمال من ذوي الياقات الزرقاء قلقون وغير مبتهجين. أحد الأسباب هو أن التضخم، على الرغم من أنه أقل من العام الماضي، فإنه لا يزال مؤلماً في متاجر البقالة ومحطات الوقود. والأميركيون غارقون في الديون مع ارتفاع أسعار الفائدة على بطاقات الائتمان.

وما يزال امتلاك منزل أمراً لا يمكن تحمله تقريباً بالنسبة للشباب الذين يشترون لأول مرة والذين قد يكافحون أيضاً لسداد قروض الدراسة الجامعية. هناك أيضاً مخاوف متزايدة بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على جميع قطاعات الاقتصاد. وجدير بالذكر أن أحد أسباب إضراب كتاب وممثلي هوليوود حالياً هو اعتقادهم بأن الذكاء الاصطناعي قد يحل محلهم في العديد من المهام الفنية والتمثيلية والترفيهية، بما في ذلك كتابة السيناريو والتحرير. وبالإضافة إلى هذه المخاوف، يواجه بايدن والحزب الديمقراطي مشكلة نظامية آخذة في النمو منذ الثمانينيات.

فقد تركت الحزبَ أعدادٌ كبيرة من العمال ذوي الياقات الزرقاء، وذلك بسبب استيائهم من فقدان وظائفهم جراء العولمة والخوف من تهميشهم من قبل النخبة «الديمقراطية» التي تخطب ودّ الناخبين من الأقليات بشكل متزايد للفوز في الانتخابات. وعلى الرغم من جذور بايدن العمالية في ولاية بنسلفانيا، فإن العديد من الناخبين الديمقراطيين السابقين يعتبرونه أسيراً للتقدميين، بما في ذلك الناخبين السود، الذين هم أكثر مؤيديه ولاءً.

وأظهرت الانتخابات الرئاسية لعام 2020 أن ترامب لا يزال يتمتع بجاذبية كبيرة بين الناخبين من ذوي الياقات الزرقاء، وعلى نحو متزايد، بين الناخبين من أصل إسباني. لكن هذا الدعم لم يكن كافياً لإعادة انتخابه، إذ كان أداؤه سيئاً للغاية مع المستقلين والنساء والشباب من خريجي الجامعات. وفي الأشهر المقبلة من المنتظر أن تشتد المعركة من أجل تصويت العمال، وسيعتمد الكثير على قوة الاقتصاد الأميركي وإحساس الناخبين بأن الثروة المتنامية سيتم تقاسمها بشكل أكثر مساواة داخل المجتمع.

حالياً، ما تزال الفجوة بين الأغنياء والفقراء آخذة في الاتساع، حيث يمتلك 1% من الأسر من الفئة الأعلى 32% من ثروة البلاد بينما تمتلك 50% من الأسر 3% فقط. ونظراً للإشارات المستمرة إلى أوجه عدم المساواة هذه على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت نقاط الضعف والخلافات بين أصحاب المليارات الآن جزءاً من قائمة القضايا التي يتم تناولها ونشرها على نطاق واسع كل يوم.

ورغم أنه لا يوجد شيء جديد بشأن التفاوت في الدخل والسلوك الجامح لأصحاب الثراء الفاحش، إلا أنه في مناخ اليوم الذي يتسم بالاستياء والمظالم وتضاؤل الثقة في المؤسسات الحكومية، يتعين على الساسة أن يشعروا بقلق متزايد إزاء ردة الفعل العنيفة في استطلاعات الرأي.

وكان ترامب بارعاً في استغلال هذه المخاوف، لكن مشاكله القانونية الآن قد تؤدي إلى إضعاف الحماس لخطابه الشعبوي، على الأقل بين الناخبين الذين يعتقدون أن مخاوفهم بشأن «الخبز والزبدة» هي أكثر أهمية من الحروب الثقافية وإصرار ترامب المستمر على أن انتخابات 2020 قد سُرقت. ومع بدء أميركا العدّ التنازلي حتى نوفمبر 2024، ليس من المستغرب ألا يتمتع بايدن ولا ترامب بشعبية بين عامة الناس، ولماذا لا يوجد ابتهاج بأن كليهما ما يزالان في المقدمة لقيادة حزبيهما في الانتخابات.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال إنترست» -واشنطن