تعمل إدارة الرئيس جو بايدن عن غير قصد على تفاقم المشكلة ذاتها، التي تحاول حلها وهي أزمة المهاجرين على الحدود الجنوبية، من خلال إذكاء معدلات الجرائم العنيفة تغذيها الأسلحة النارية في أميركا اللاتينية وغيرها.

ويتعين على الرئيس الذي ظل لفترة طويلة يعتبر بطل إجراءات السلامة في الأسلحة، أن يتحرك بسرعة لإصلاح هذا الإخفاق في السياسة. فقد تضاعف عدد الأسلحة النارية نصف الآلية المصدرة من الولايات المتحدة منذ عام 2016.

ويكشف تحقيق أجرته «بلومبيرج نيوز» أن هذه المبيعات حققت أرباحاً كبيرة لصناعة الأسلحة، بينما تسببت في الفوضى في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. وجواتيمالا مثال على ذلك، فقد أصبحت مبيعات الأسلحة النارية نصف الآلية المصنوعة في الولايات المتحدة في جواتيمالا أعلى بأكثر من خمسة أضعاف مما كانت عليه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتقريباً ضعف ما كانت عليه قبل عامين فقط.

صحيح أن منتجي الأسلحة الأميركية يبيعون أسلحتهم في كثير من الأحيان للحكومات وشركات الأمن، لكن الأسلحة سرعان ما تجد طريقها إلى السوق السوداء وإلى أيدي المجرمين. وبعد سنوات من التراجع، ارتفعت جرائم القتل في جواتيمالا، كما ارتفعت أعداد الجواتيماليين الفارين إلى الولايات المتحدة. ومن بين 2.2 مليون شخص وصلوا إلى الحدود الجنوبية العام الماضي، كان عشرة بالمئة منهم من سكان جواتيمالا، أي أكثر من أي دولة أخرى باستثناء المكسيك.

ولم تسع الولايات المتحدة للتصدي لأزمة الأسلحة في المنطقة، بل تواطأت فيها. وبدأت المشكلة مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب التي نقلت في عام 2020 عملية الترخيص لصادرات الأسلحة من وزارة الخارجية التي كانت مسؤولة عن مراجعة الطلبات المتعلقة بمخاوف الأمن القومي، إلى وزارة التجارة. ووصفت الرابطة الوطنية للبنادق هذا التحول بأنه «من بين أهم المبادرات المؤيدة للسلاح التي اتخذتها إدارة ترامب حتى الآن».

وحتى قبل تغيير الوكالة المعنية، حذر المدققون من أن 95 بالمئة من طلبات تصدير الأسلحة تفتقر إلى المعلومات المطلوبة ولم يتم فحصها بشكل صحيح للنظر في مخاوف الأمن القومي الأميركي. وتفاقمت المشكلة مع تولي وزارة التجارة المسؤولية. وبدلاً من وقف الصادرات إلى الدول المضطربة، قام مسؤولو الوزارة بتيسير الأمور، وتجنيد المشترين الأجانب بقوة وربطهم بالمصنعين الأميركيين. بل إن تقريرا للوزارة وصف الطلب على الأسلحة الأميركية في الدول التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي وعنف العصابات وتهريب المخدرات بأنه «فرصة فريدة». ولا عجب أن ترتفع قيمة الموافقات على تراخيص التصدير 30 بالمئة مقارنة بالمتوسطات التاريخية.

وعلى الرغم من أن جواتيمالا كانت هدفاً ملائماً لصناعة الأسلحة الأميركية، لكنها ليست وحدها. فلطالما اشتكت المكسيك من تدفق الأسلحة النارية الأميركية إلى تجار المخدرات، والأمر نفسه ينطبق على جميع أنحاء أميركا الوسطى وفيما يتجاوزها، تعاني البلدان من تدفق الأسلحة الأميركية. وحل هذه المشكلة لا يتطلب تشريعات جديدة. فالقانون الأميركي يطالب بالفعل الحكومة بالتأكد من أنها تطبق ضوابط التصدير «لردع انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات، وإبعاد الولايات المتحدة عن مثل هذه الانتهاكات والتجاوزات، وتجنب المساهمة في الاضطرابات الأهلية في بلد أو منطقة».

واستعداد كل من إدارتي ترامب وبايدن للاستخفاف علناً بإرادة الكونجرس - مما يؤدي إلى تقويض أمن الحدود، وكلفة زائدة على دافعي الضرائب وتعريض الأرواح للخطر في هذه العملية - يجب أن يكون سبباً لغضب الحزبين. ويتعين على إدارة بايدن التصرف بسرعة. وقد ورثت وزيرة التجارة «جينا ريموندو» صاحبة السمعة التي تستحقها عن جدارة باعتبارها إدارية بارزة في واشنطن وكحاكمة لولاية رود آيلاند، هذه المشكلة وسمحت لها بالنمو. ولا ينبغي لها أن تضيع أي وقت في تشديد ضوابط التصدير وإعادة الولايات المتحدة إلى الامتثال للقانون. ويجب على الإدارة أيضاً أن تمنع الصادرات إلى البلدان التي بها وكالات إنفاذ قانون وقوات أمنية فاسدة، فمبيعات السلاح لهذه الدول تتمخض عن مشكلات تنتهي حتما أمام أبواب الولايات المتحدة.

ومن قصر النظر إلى أقصى حد الاعتقاد بأن المبيعات الكبيرة للأسلحة للدول الأجنبية المضطربة أمر مفيد للأميركيين. ويجب أن يكون «الجمهوريون» الذين هاجموا إدارة بايدن لفشلها في تأمين الحدود الجنوبية هم الأعلى صوتاً في المطالبة باتخاذ إجراءات.

والمتقاعسون عن ذلك يؤكدون فحسب ما كان صحيحاً لفترة طويلة، وهو أن كثيرين من الساسة يخشون جماعات الضغط المدافعة عن امتلاك الأسلحة وينفذون أوامرها، دون الاهتمام بالسلامة العامة، أو بأمن الحدود.

*المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بطموحات المناخ وحلوله، ورئيس مجلس الابتكار الدفاعي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»