لم يتوقّع أحد أن تصبح النيجر محوراً لأزمة دولية إقليمية تتسم بخطورة استثنائية، بسبب انقلاب الحرس الرئاسي ثم الجيش على حكم الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم، وكان البلد قد مرّ بفترة استقرار سياسي خلال حكم سلفه محمد ايسوفو المنتخب أيضاً والذي بقي في السلطة طيلة ولايتين متتاليتين، وسط تصاعد عمليات المجموعات الإرهابية والتدهور المزمن للأوضاع الاقتصادية وتفاقم ظواهر الفقر. هذه التحديات لازمت النيجر منذ وجودها تحت الاستعمار الفرنسي، ثم استقلالها عام 1960 وما بعده، ولم تفلح الانقلابات العسكرية الخمسة السابقة في توطيد استقرار سياسي أو اقتصادي، فكان لا بدّ دائماً من العودة إلى الحكم المدني. كما أن الرعاية الفرنسية المتواصلة، والمتعاونة بشكل وثيق مع العسكريين، كانت تعطي انطباعاً بأن لا بديل عنها، لكن يتبيّن الآن أن نجاحَها لم يستند إلى أسس صلبة.
الارتباك الغربي الذي تسبب به انقلاب العسكريين النيجريين يُعزى أولاً إلى وجود قواعد عسكرية كبيرة للفرنسيين والأميركيين والأوروبيين من دول مختلفة، إذ شكّلت النيجر مركزاً لقيادة الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي بعد خروجها القسري من مالي المجاورة. أما الصدمة الأخرى فكانت في العداء الذي ظهر بحدّة عند عسكريي الانقلاب، وكذلك عند فئات من الشعب، للغرب عموماً ولفرنسا خصوصاً، وقد تمثّل في رفع المتظاهرين شعاراتٍ مؤيدةً لروسيا. وهكذا، فبين عشية وضحاها راح المراقبون يتوقّعون خروجَ النيجر من المعسكر الغربي الذي كان بازوم يعتبر أبرز حلفائه، إذ يكفي الآن أن يطلب العسكريون مغادرةَ القوات الأجنبية على غرار ما حصل سابقاً في مالي وبوركينا فاسو. وقد تولّدت لديهم دوافع جديدة بعدما تناغمت المواقف الدولية مع الموقف المتشدّد لدول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (ايكواس) سواء بالعقوبات التي فرضتها على النيجر أو باستعدادها للتدخّل عسكرياً لتثبيت الديمقراطية وإعادة الرئيس المخلوع إلى منصبه.
لكن هل النيجر جاهزة لدخول مجازفة معقدة كالتي تتراءى حالياً؟ وهل لدى العسكريين بدائل تمكِّنهم من الاستغناء عن المساعدات الغربية؟ وهل أستعدّوا مسبقاً لإدارة البلاد وتداعيات الانخراط في استقطاب دولي آخر؟ هناك احتمالان: الأول، أنهم غير جاهزين، ولذا أصرّت الولايات المتحدة على «الحل الديبلوماسي» وحافظت على هامش مناورة بالتحاور مع العسكريين، لكنها التزمت موقف دول «ايكواس»، على أن يُصار إلى تلبية مطالب الانقلابيين بعد استعادة الرئيس بازوم سلطَته. لكن هذا الخيار لم يبدُ قابلاً للتطبيق. أما الاحتمال الثاني فربما ينطوي على «خيار روسي» لم ينضج بعد، لكنه أثار اهتمامَ العسكريين الذين يراقبون تجاربَ زملائهم في دول مجاورة .
وينبغي التذكير، من جهة، بأن عدداً كبيراً من البلدان الأفريقية كان على علاقة مع روسيا منذ الحقبة السوفييتية وتلقّى منها دعماً في الكفاح ضد الاستعمار الغربي، وهي علاقة استمرّت في مجال التسلّح وطُوّرت إلى أن أصبحت مع «فاغنر» ذات فاعلية بارزة. ومن جهة أخرى تنبغي الإشارة إلى أن الدول الغربية حافظت على حضور قوي داخل «الدولة العميقة» في مستعمراتها السابقة، غير أن اهتمامها بجوانب التنمية والتطوير ظلّ أقلّ من تركيزها على استغلال الثروات الاستراتيجية (اليورانيوم في حال النيجر). وإذا نُظر إلى الأزمة النيجرية من زاوية الصراع الروسي الغربي، فإن حرب أوكرانيا تكتسب درجةً في «العالمية» من خلال أفريقيا.

*كاتب ومحلل سياسي -لندن