بهت بريق «الحزب الوطني الاسكتلندي»، الذي ظل يهيمن على الحياة السياسية في اسكتلندا لما يقرب من عقد من الزمان منذ خسارته في استفتاء حول الاستقلال. فقد كان الحزب يمتلك أغلبية في البرلمان المحلي ومثلها في المقاعد الاسكتلندية في لندن، وكانت مجموعةٌ من استطلاعات الرأي، التي كانت تشير إلى أن الاسكتلنديين الذين تقل أعمارهم عن 49 عاماً يفضلون الاستقلال، قد عززت الشعورَ بأن الاستقلال الاسكتلندي حتمية تاريخية. وحاجج القوميون بأن الوقت إلى جانبهم.

ولكن العام الماضي حمل بين ثناياه درساً مفيداً. ففي فبراير، أعلنت نيكولا ستورجون، رئيسة وزراء اسكتلندا منذ 2014، استقالتها بشكل غير متوقع، ثم سرعان ما وقعت في فضيحة تتعلق بالشؤون المالية للحزب. وفي يونيو، أُوقفت ثم أفرج عنها من دون أن توجه إليها أي اتهامات في انتظار مزيد من التحقيق. ولكن تقارير إخبارية ما زالت تلمّح إلى أنها وزوجها، الرئيس التنفيذي السابق للحزب، قد توجه إليهما لائحة اتهام رسمياً.

ولكن السيدة ستورجون تصر على أنها بريئة من أي فعل مخالف للقانون. غير أنه حتى قبل هذه الادعاءات، كان زخم خطط السيدة ستيرجن للاستقلال قد ضعف. فقد كانت رئيسة الوزراء ترغب في إجراء استفتاء ثان، ولكنها لم تحصل على موافقة الحكومة البريطانية، وقضت المحكمة العليا البريطانية في نوفمبر بأنه لا يمكن للبرلمان الاسكتلندي إجراء استفتاء بشكل أحادي.

في البداية، حاججت ستورجون بأن الانتخابات العامة المقبلة، المقررة العام المقبل، ستكون بمثابة استفتاء بحكم الواقع - فإذا فاز حزبها بأغلبية الأصوات المدلى بها في اسكتلندا، فإنه سيشرع في التفاوض بشأن خروج اسكتلندا من المملكة المتحدة. ولكن الخطة كانت غير قابلة للتطبيق. ذلك أنه حتى لو فاز «الحزب الوطني الاسكتلندي» بأكثر من 50 في المئة من الأصوات، فإنه لا يمتلك آلية قانونية لمطالبة الحكومة البريطانية بقبول تفسيره للنتيجة.

أما إذا فشل، فسيكون قد حصل على استفتائه الثاني وخسر. وبدأ الزخم والطاقة اللذان ميّزا العقد اللافت للحزب يتلاشيان. إذ انخفض دعم القوميين بحوالي 10 نقاط منذ ديسمبر، كما تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن الحزب، الذي فاز في 48 من أصل دوائر اسكتلندا الانتخابية الـ59 في الانتخابات العامة الأخيرة، قد يخسر ما يصل إلى 20 دائرة أمام حزب العمال العائد بقوة في الانتخابات التالية (يذكر هنا أن حمزة يوسف، الذي خلف ستورجون، لم يقم بتنشيط الحركة).

والواقع أنه لم يكن من المفترض أن يكون الأمر على هذا النحو. ذلك أن اسكتلندا صوّتت ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016 بينما اختارت بريطانيا - وخاصة إنجلترا - الانسحاب. وقد حاججت ستورجون بشكل مقنع في أعقاب ذلك بأن اسكتلندا باتت رهينة في اتحادٍ غير متكافئ حُرمت فيه من أي وسيلة للهروب.

ولكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أثبت أنه مغامرة خاطئة. والأكيد أنه إذا كان الخروج من الاتحاد الأوروبي أكثر تعقيداً مما روّج له أنصاره، فإن حلّ «قانون الاتحاد» الذي يربط استكلندا بالمملكة المتحدة، يبلغ عمره أكثر من 300 عام سيكون صعبا للغاية.

وإذا أثبت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أنه كان طريقاً نحو الإفقار الوطني النسبي، فإن استقلال اسكتلندا قد يقدِّم أيضاً أقل بكثير مما وعد به مؤيدوه - على الأقل على المدى القصير إلى المدى المتوسط. وإذا كانت إقامة بريطانيا لحواجز تجارية مع الاتحاد الأوروبي، الذي يمثّل أكبر سوق تتعامل معه، عملا من أعمال الإيذاء الاقتصادي الذاتي، فكيف لأي شخص أن يحاجج بأن إقامتها بين اسكتلندا وبقية المملكة المتحدة هي خلاف ذلك؟

باختصار، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بسّط الحجج السياسية من أجل الاستقلال، ولكنه عقّد تنفيذه العملي. ذلك أن القومية الاسكتلندية مسألة نفعية، ويجب أن تقدِّم مستقبلاً أفضل وأكثر رخاء. و«الحرية» لن تكفي. كما أنه من الجدير بالذكر أن عقداً من الدراما الدستورية تسبب في إرهاقٍ كبيرٍ للناس. إذ تؤكد استطلاعات الرأي أن الاسكتلنديين يقبلون استفتاء ثانياً حول الاستقلال كمسألة مجردة لموعد ما غير محدد، ولكنهم يتوجسون من الاستفتاء في موعد قريب.

هي معركة مؤجلة إذن، لكنها معركة لم يتم التخلي عنها. ذلك أن فكرة الاستقلال الاسكتلندي لها دائماً صدى عاطفي، ولو كانت كل الأمور الأخرى متساوية، فقد تحظى إعادة تأسيس دولة اسكتلندية متميزة بدعم الأغلبية. وقد حظيت بذلك بالفعل في بعض المناسبات، وحتى الآونة الأخيرة، كان نحو 40 في المئة من الاسكتلنديين ما زالوا يؤيدون الاستقلال، على الأقل كفكرة نظرية. وكما قال الروائي الاسكتلندي جون بيوكن ذات مرة، «أعتقد أن كل اسكتلندي يجب أن يكون قومياً اسكتلندياً».

 ولكن كما يعلم أيضاً بيوكن، الذي كان وحدوياً، من الممكن أن يكون المرء قومياً اسكتلندياً من دون أن يتبنى فكرة الاستقلال. فالقومية الاسكتلندية توجد على طيف، وحتى السياسيون والناخبون الوحدويون كثيراً ما يعتبرون أنفسهم أوصياء على المصلحة الاسكتلندية، وإن داخل المملكة المتحدة.

*صحافي اسكتلندي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»