العالم لا يسير على المسار الصحيح نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 في موعدها نهاية العقد الحالي، ومن ضمنها الهدف السابع المتمثل في ضمان توافر الطاقة الموثوقة والمستدامة بأسعار معقولة في متناول الجميع. وقد توافقت الآراء على ذلك خلال «منتدى الأمم المتحدة السياسي رفيع المستوى بشأن الاستدامة لعام 2023»، والذي انعقد في نيويورك في شهر يوليو المنصرم، وقيّم التقدم المحرز خلال السنوات السبع الماضية منذ اعتماد الدول الأعضاء لأهداف التنمية المستدامة.
أبرزت حوارات المنتدى، التي ركزت بصورة خاصة على توافر الطاقة، توقعات مقلقة باستمرار افتقار 650 مليون شخص إلى الكهرباء بحلول عام 2030، وحرمان أكثر من ثلث سكان العالم من الوصول إلى وقود الطهي النظيف، إذا واصلنا المسار الحالي.
كما أثقلت أزمة الديون المتفاقمة على الدول النامية بأعباء قروض يصعب عليهم بشكل متزايد تخليص أنفسهم منها في ظل النظام المالي الحالي. وتلك الظروف المقلقة شكلت محور نقاشات توافر الطاقة والعمل المناخي والتنمية المستدامة في نيويورك، وأنتجت توافقاً دولياً على ضرورة إصلاح التمويل المناخي كمفتاح للتحوّل نحو عالم أكثر استدامة.
فالنموذج الاقتصادي العالمي الحالي، القائم على التوسع والنمو والربح أولاً، لم يعد مستداماً وقد يهدد مستقبل الكوكب. ويجب تغييره الآن إذا ما أرادت الإنسانية ضمان استدامة الموارد، وإعادة التفكير في العلاقة بين نمونا الاقتصادي والاجتماعي والحفاظ على أنظمتنا البيئية.
والتحول المنهجي لأنظمتنا الاقتصادية والتمويلية الحالية هو المسار لتجنّب نقطة اللاعودة مناخياً، ومن دونه ستظل الاقتصادات التي تواجه التغير المناخي بشكل مباشر غير قادرة على الوصول إلى الموارد الطبيعية والاستفادة منها، وستتخلف أكثر عن المسار نحو الحياد المناخي وانتقال الطاقة. وأمامنا حتى عام 2030، موعد تحقيق أهداف التنمية المستدامة عالمياً، سبع سنوات لتصحيح ذلك الخيار الاجتماعي والاقتصادي.
فمؤشرات أداء النظام المالي الحالي لا تراعي الأثر البيئي أو «العناصر الخارجية». وعلينا، إلى جانب مقاييس مثل الأرباح قبل الفائدة والضرائب والإهلاك واستهلاك الدين والدخل الإجمالي العام، أن نأخذ في الاعتبار كذلك التأثير السلبي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أو التأثير الإيجابي للمنظومات الصحية، أو المساهمات التي تنتج عن تخضير سلاسل التوريد، أو أثر تحسين الوصول إلى الطاقة.
يجب علينا إعادة التفكير في كيفية تقييمنا لنجاح الاستثمارات بإضافة مجموعة من المقاييس التي تعطي الأولوية للقيمة بعيدة المدى لنظام اقتصادي مستدام يمكنه توفير مناخ صالح للعيش.
يتطلب الارتقاء بالحلول المناخية، وتسريع انتقال الطاقة، وتعزيز الوصول إلى الطاقة ما وصفته المستثمرة المناخية رِيجيني كليمان بـ «رأس المال المسرّع»، وكثير منه. ونحتاج عالمياً إلى إعادة توجيه رؤوس الأموال نحو الاستثمار المستدام بقيمة تريليونات الدولارات سنوياً.
وبحسب تقرير «توقعات تحولات الطاقة العالمية»، الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، يجب توفير تمويل تراكمي قدره 150 تريليون دولار للاستثمار في حلول الطاقة المتجددة، أي ما يصل إلى معدل سنوي يزيد على 5 تريليونات دولار، لإبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمي دون 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050.
ورغم وصول الاستثمارات العالمية في كل تقنيات تحويل الطاقة إلى مستوى قياسي بلغ 1.3 تريليون دولار عام 2022، يجب زيادة الاستثمارات السنوية بأكثر من أربعة أضعاف للبقاء على مسار 1.5 درجة مئوية.
وفي هذا السياق، تواصل دولة الإمارات ريادة ملف التمويل المستدام لمشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة بعشرات المليارات من الدراهم في أكثر من 70 دولة حول العالم، وخاصة في الاقتصادات النامية والأشد تأثراً بتداعيات التغيّر المناخي والمجتمعات الهشّة مناخياً.
وعالمياً تشير الأرقام إلى أن الاستثمارات في الطاقة المتجددة تنمو، لكنها لا تزال تتركز في عدد قليل من الدول، حيث تلقى ما يفوق نصف سكان العالم 15 بالمئة فقط من الاستثمارات العالمية عام 2022، مع حصول الدول الأقل نمواً على أقل من 1 بالمئة فقط من مجمل تلك الاستثمارات. كما استفاد ما يقل عن نصف سكان العالم من 85% من الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة، واستفادت أفريقيا من 1% فقط من قدرات التوليد الإضافية عام 2022.
ويتواصل اتساع الفجوة في تمويل الطاقة المتجددة الذي تتلقاه الدول المتقدمة مقابل تلك النامية، حتى أنها تضاعفت خلال السنوات الست الماضية. وهناك ضرورة لزيادة تدفق رؤوس الأموال إلى المجتمعات النامية أكثر من أي وقت، فالتحول المنصف والشامل للطاقة يساعد في التغلب على التفاوتات العميقة ويرتقي بجودة حياة مئات ملايين الناس.
لا شك أن الاعتماد على تكنولوجيا واحدة أو صندوق واحد أو شركة واحدة لن ينجح. ويجب توسيع نطاق الاستثمارات لتشمل كامل منظومة الطاقة لدفع عجلة التحول المنهجي، بدءاً من البنية التحتية ووصولاً إلى التعليم والتوعية.
لا يمكن استخدام التمويل وحده كسبيل للخروج من الأزمة المناخية، بل نحتاج إلى تعميق التعاون بين الحكومات، وتحفيز القطاع الخاص على عقد شراكات مع القطاع العام لتوجيه الاستثمارات إلى الدول التي تواجه حالياً معوقات عديدة تعترض تمويل المشاريع فيها، بما يشمل ارتفاع تكاليف رأس المال.
لفتح آفاق مستقبل أكثر استدامة، نحتاج إلى خطة عمل حاسمة تحدد أهدافاً عالمية للطاقة المتجددة وتترافق مع التخفيض التدريجي للاعتماد على الطاقة التقليدية. ويجب دعم تلك الأهداف بنظام مالي تحوّلي يمكنه إحداث تغيير إيجابي في كل الاقتصادات، من الجنوب إلى الشمال العالميين، ومن الشرق إلى الغرب.
تشكّل خطة مماثلة جوهر رؤية دولة الإمارات للنتائج المنشودة لمؤتمر الأطراف COP28 الذي تنظمه نهاية العام الجاري. وترتكز خطة العمل التي وضعتها رئاسة مؤتمر COP28 وأعلنت عنها في شهر يوليو على أربع ركائز نوعية هي تمكين تحقيق انتقال مسؤول ومنطقي وعملي وعادل في قطاع الطاقة، وتطوير آليات التمويل المناخي، وتفعيل جهود التكيف لتحسين الحياة وسُبل العيش، وتعزيز أطر شمول الجميع في منظومة عمل المناخ، حرصاً على هدف 1.5 درجة مئوية عالمياً.
وإذا تمكّن المجتمع الدولي من تنحية الفروقات جانباً والإجماع حول تلك الرؤية وبناء توافق في الآراء، يمكننا تحقيق نقلة نوعية في التنمية المستدامة والعمل المناخي العالمي في نوفمبر المقبل على أرض دولة الإمارات.
*المندوب الدائم لدولة الإمارات في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»