انهمكت «توبي كيرز» أستاذة علم الأحياء التطوري بجامعة «فريجي» الهولندية في أمستردام، في بحثها عن أنواع الفطر (المشروم)، واستنتجت كيف يمكن للطبيعة نفسها أن تحل أزمة المناخ. تبحث «كيرز» في ما هو أبعد من التنوع المذهل للفطر الذي نراه ينمو فوق الأرض والأنظمة الخفية التي نتجاهلها، وهي الشبكات الفطرية التي تنتشر في جميع أنحاء التربة وتغذي جذور الأشجار والنباتات.
في مختبرها، تتدفق تيارات من جزيئات الكربون عبر شاشة الكمبيوتر الخاص بها مثل الفقاعات الزيتية في مصباح الحمم. يتحرك الكربون، المضاء والمضخم، عبر بنية تحتية من أنابيب شفافة تشكل شبكات واسعة من الفطريات تحت الأرض. تشكل هذه الأنظمة ثلث الكتلة الحيوية الحية للتربة، وتربطها معاً وتحافظ على جزء كبير من الحياة على الأرض. تحتوي التربة على حوالي 75% من الكربون الأرضي للكوكب، وتلعب الفطريات دوراً مهماً. تقول «كيرز» إن هذه الفطريات «حلفاء أقوياء ولا تحظى بالتقدير الكافي» في السعي لحل مشكلة تغير المناخ.
تنشر المجلة العلمية «سيل برس» Cell Press، هذا الأسبوع، دراسة رائدة شاركت «كيرز» في تأليفها، وفيها تكشف أن مجموعة من الفطريات المعروفة باسم «الميكوريزا» mycorrhizae تسحب وتخزن أكثر من 13 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. هذا ما يقرب من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري السنوي للصين والولايات المتحدة مجتمعين.
هذه الدراسة هي الأولى التي تحسب مقدار الكربون الذي يتحرك عبر هذه الشبكات الجوفية. ولهذه الدراسة تداعيات حاسمة ليس فقط لعلماء المناخ، ولكن أيضاً لصانعي السياسات والمستثمرين والمبتكرين - الذين يجب أن يفهموا جميعاً ويدعموا الدور الذي ستلعبه الفطريات في الجهود العالمية لإزالة الكربون الزائد من غلافنا الجوي.
لذا، فإن هناك حاجة ماسة لدعم هذه الأنواع من الفطريات: تتعرض شبكات الفطر المعروفة باسم «الميكوريزا» على كوكب الأرض لحصار من إزالة الغابات والزراعة الصناعية، مما يؤدي إلى استنفاد هذه الأنظمة من خلال الحرث والإفراط في استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات. كما أن للحرارة والجفاف وغيرهما من ضغوط المناخ تأثيراً سلبياً. وبالنظر إلى الاتجاهات الحالية، فإن أكثر من 90% من تربة الأرض ستتدهور بحلول منتصف القرن - وكذلك شبكات الفطريات داخلها.
من خلال قياس أهمية الفطريات، تقترح دراسة «كيرز» خريطة طريق للعمل. لا يجب على وزارة الزراعة الأميركية توسيع الجهود البحثية في هذا المجال فحسب، بل يجب عليها أيضا تحفيز التحول نحو الزراعة المتجددة. يجب أن تكون هناك مكافآت - إن لم تكن متطلبات - للزراعة من دون حرث، بحيث لا تؤثر على التربة وكتلتها الحيوية، مع تحسين غلات المحاصيل وتوفير المال. تُستخدم هذه الطريقة في حوالي ثلث الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة فقط وتستحق تبنيها على نطاق واسع.
يمكن للمستثمرين القيام بدورهم من خلال توفير التمويل اللازم لتطوير أدوات الزراعة، بما في ذلك الروبوتات الزراعية الناشئة بتقنيات الذكاء الاصطناعي وتقنيات الطائرات المسيرة التي يمكن أن تقلل من استخدام المواد الكيميائية بنسبة تصل إلى 90%. يجب على المبتكرين الذين يعملون على تقنيات التقاط الكربون وتخزينه، والتي تجذب تدفقات ضخمة من رأس المال، أن يستعيروا نماذج من البحث على شبكات «الميكوريزا»: تقدم هذه الآلات الحية واسعة النطاق رؤى بارعة في عزل الكربون.
تقول «كيرز» إن فطريات «الميكوريزا» توفر النيتروجين والفوسفور والعناصر الغذائية الأخرى لجذور الأشجار والمحاصيل في مقابل الكربون، الذي تجتذبه تلك النباتات من خلال عملية التمثيل الضوئي. ثم يستخدم الفطر هذا الكربون للنمو، مما يخلق دورة من التغذية بين الأنظمة الموجودة فوق وتحت الأرض.
يمكن أن توفر هذه الفطريات بشكل طبيعي أكثر من 80% من العناصر الغذائية للنبات. لكن المحاصيل المحملة بالأسمدة الكيماوية غالبا ما تفشل في نقل الكربون الخاص بها إلى الفطريات، مما يضر بالشبكات الموجودة تحت الأرض.
هناك على الأرجح عشرات الآلاف من أنواع الفطريات الجوفية التي لم يتم اكتشافها والبحث عنها بعد. بمجرد أن يفهم العلماء هذا المجال ويضعون خريطة له، يمكنهم «تحفيز» النظام لزيادة قدرته على حمل الكربون.
تسافر «كيرز» عبر العالم لجمع عينات من التربة المليئة بالفطريات، وتعمل مع مجموعة عالمية من العلماء المحليين من خلال جمعية حماية الشبكات تحت الأرض التي أسستها حديثا. وهم يستخدمون نماذج الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالنقاط الساخنة للتنوع البيولوجي لفطر الميكوريزا. في الموقع، يقومون بفحص المناظر الطبيعية بحثاً عن عيش الغراب المعروف باسم «الأجسام المثمرة» التي تراها فوق الأرض، والتي يمكن أن تعمل كمناظير للشبكات الموجودة تحت السطح. يهدف مشروع أخذ العينات هذا إلى تغطية 10000 موقع وتجميع خريطة مفتوحة المصدر لشبكات الفطر على الكوكب. ستساعد الخرائط في تحديد النقاط الساخنة لعزل الكربون وتحديد أنواع الفطر التي يمكنها تحمل الجفاف والحرارة بشكل أفضل - ويمكن أن تكون مفيدة لإدخالها في تربة أراضي المحاصيل المعرضة للخطر.
يوفر بحث «كيرز» مجالاً جديداً واعداً لمكافحة تغير المناخ - ولكن فقط إذا استخدم علماء المناخ وصانعو السياسات والمستثمرون هذه المعرفة الجديدة لتصميم استراتيجيات الحفظ وأنظمة الغذاء التي تزيد المحاصيل مع حماية شبكة الحياة الأساسية.
أماندا ليتل
كاتبة متخصصة في الزراعة والمناخ
ينشر بترتيب خاص مع خمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»