بعبارة «الأردن قصة نجاح»، أعلن «رون فان رودن»، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي، إنجاز محادثات «المراجعة السادسة» لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، والتي استمرت في عمان من 3 إلى 17 مايو الماضي، مؤكداً أن الأردن «يسير بثبات على المسار الصحيح في تطبيق الأهداف الرئيسية للبرنامج، من خلال سياسات نقدية ومالية حصيفة»، وهو ما سيرفع إجمالي دفعات الصندوق إلى 1300 مليون وحدة حقوق سحب خاصة، أي ما يعادل 1.75 مليار دولار، مع العلم أن هذا البرنامج بدأ عام 2020 وهو مستمر حتى العام المقبل.
وتوقَّع الصندوق أن يسجل الاقتصادُ الأردنيُّ نمواً بنسبة 2.6% خلال العام الحالي، لكنه اعتبر أن هذه النسبة «غير كافية لتحسين مستويات المعيشة في بلد عدد سكانه 11 مليون نسمة، ويشهد نمواً سكانياً سنوياً بنحو 2%». وتكمُن الإشارة إلى أن معدلات البطالة ما تزال مرتفعةً، وقد بلغت 22.9% نهاية العام الماضي مقارنةً بنسبة 19% عام 2019. ومع الأخذ في الاعتبار تعافي العمالة بشكل متواضع، فإن ظروف سوق العمل تظل أكبر تهديد لرفاهية الأسر الأردنية، في ظل احتمال زيادة معدل الفقر على المدى القصير بنسبة 11% ليصل إلى نحو 26.7%، الأمر الذي يؤكد ضرورةَ الاستمرار في الإصلاحات الهيكلية.
وتبرز أهمية المراجعة السادسة للصندوق، لأنها ركن أساسي للتأكيد على متانة الاقتصاد، خصوصاً أن البرنامج الإصلاحي هو برنامج أردني، يعتمد كمعيار لثبات السياسات الاقتصادية، وقد أشارت إليه مؤسسات التصنيف الائتمانية العالمية، وآخرها وكالة فيتش التي أعطت الأردنَ «نظرةً مستقبلية مستقرة». 
ورغم التداعيات الناجمة عن الأحداث التي شهدها البلدان المجاوران سوريا والعراق طوال العقد الماضي، فقد نجح الأردن في الحفاظ على استقرار «الاقتصاد الكلي» الذي عزز ثقة المجتمعَين العربي والدولي به، وساعده في الحصول على معدلات فائدة أفضل في أسواق رأس المال، مقارنةً بدول أخرى، وذلك عندما أصدر مؤخراً سنداتٍ دوليةً بقيمة 1.25 مليار دولار.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في سبتمبر الماضي، وتلتزم بموجبها الولايات المتحدة بتقديم مساعدات للأردن بقيمة 10.15 مليار دولار خلال سبع سنوات (2023-2029) بمعدل 1.45 مليار دولار سنوياً. وهي الأطول زمنياً والأضخم قيمةً حتى الآن. ولعلها تعكس القيمةَ التي توليها واشنطن للعلاقة الاستراتيجية بين البلدين. وقد وصفتها الوكالةُ الأميركية للتنمية بالقول إنها تمثل «أرضية لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية».
أما بالنسبة للدعم الخليجي فهو مستمر بأشكال عدة، وقد بلغت مخصصات المنح الخليجية المقدمة للأردن منذ عام 2012 نحو 3.67 مليار دولار. وآخر دفعة من المساعدات والمنح المخصصة للأردن من ثلاث دول خليجية (السعودية والكويت والإمارات)، وفق إعلان مكة في يونيو 2018، تكتمل العامَ الحالي، وتبلغ قيمتها 2.3 مليار دولار، وتشمل منحاً بنحو 500 مليون دولار وودائع بقيمة 1.16 مليار دولار لدعم البنك المركزي الأردني، و700 مليون دولار تمويل ميسر للمشاريع التنموية. وإضافة إلى ذلك، تبرز أهمية استثمارات دول مجلس التعاون في الأردن، وتقدر بنحو 40 مليار دولار، وفقاً لأرقام اتحاد الغرف الخليجية، فيما تصل قيمة المبادلات التجارية بين الجانبين إلى 6 مليارات دولار، أما تحويلات الأردنيين فتصل إلى 5.3 مليار دولار سنوياً.
وفي ضوء التطورات المرتقبة، يبقى الرهان على استقرار إقليمي، إذ يتطلع الأردن إلى قدرته على استثمار «فائض الثقة» به. ولذا فقد فتح أبوابَه بخارطة استثمارية تضم ثماني قطاعات اقتصادية متنوعة وقانوناً جديداً لتنظيم البيئة الاستثمارية، أمام الاستثمارات الخليجية والعربية والأجنبية، متمتعاً بمناخ استثماري جاذب، واستقرار مالي وسياسي وأمني، وثبات بسعر صرف الدينار، وحرية كاملة في التحويلات المالية. ويأتي ذلك في إطار «خطة استراتيجية» لبناء اقتصاد جديد، وجذب استثمارات بحجم 56 مليار دولار، ضمن رؤية اقتصادية للسنوات العشر القادمة. 

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية