استوقفتني حكاية الشاب الأميركي «سام بانكمان-فرايد» الحالم برأيي أو الواهم بالأحرى. نجم العملات الرقمية «بيتكوين» أصبح قبل أشهر قليلة حديث الأسواق الدولية بعد أن اعتقلته سلطات جزر البهاما – حيث يقيم ويستثمر - بناء على طلب من حكومة الولايات المتحدة الأميركية.
كان الشاب يجلس وإلى جواره ساسة كبار ورؤساء دول وحكومات سابقين، لكن كل ما وصل إليه الشاب خلال أعوام قليلة ذهب مع الريح. 

«بانكمان-فرايد» ابن الثلاثين عاماً الذي تجاوزت ثروته 25 مليار دولار أميركي وبات ضمن قائمة أغنى سبعين شخصية في العالم حسب تصنيف مجلة فوربس، فقد بين عشية وضحاها ثروته وبات مهدداً بالسجن. الادعاء الفيدرالي في نيويورك وجه اتهاماً له بالاستخدام غير القانوني لإيداعات العملاء في شركته (أف تي اكس) لتمويل شركته الأخرى للعملات المشفرة «ألاميدا ريسيرش»، وشراء عقارات وجني ملايين الدولارات من التبرعات السياسية.
المستثمرون في شركته صبّوا عليه جام غضبهم بعد أن «تبخرت» أموالهم، الأمر الذي دفع لجنة الأوراق المالية والبورصات ولجنة تداول السلع الآجلة في الولايات المتحدة الأميركية للتحقيق في ما إذا كان «بانكمان-فرايد» قد أساء التعامل مع استثمارات العملاء، خصوصاً بعد اتهامه بتحويل ما قيمته 10 مليارات دولار من أموال المستثمرين لحساباته الخاصة لأن نسبة كبيرة من ذلك المبلغ اختفى فجأة ومن دون مقدمات. 
ما تزال المحكمة تحقق في القضية التي وُصفت بأنها واحدة من أكبر عمليات الاحتيال المالي في تاريخ الولايات المتحدة، إلى جانب ثمانية تهم جنائية أخرى يواجهها «بانكمان-فرايد»، ومن بينها الاحتيال الإلكتروني، غسيل الأموال، انتهاك تمويل الحملات، إلى جانب اتهامات مدنية أخرى وجهتها ضده هيئات التنظيم المالي. وإلى أن يثبت بالأدلة القاطعة أن «بانكمان-فرايد» مدان بالفعل، فقد تم الإفراج عنه بضمانة مالية كبيرة قيمتها 250 مليون دولار، ولعدم تمكينه من التواصل مع موظفي شركته المفلسة، منعه القاضي من استخدام شبكة الإنترنت سواء عن طريق هاتفه الخليوي أو الكمبيوتر، وبما يحول دون مواصلته عمليات الخداع والتضليل لمستثمرين آخرين في العملات الرقمية.

نموذج هذا الشاب ليس بعيداً عن أي مجتمع، خصوصاً وأن الكثير من المراهقين الشباب في الشرق والغرب مهووسون بفكرة الثراء السريع وحتى من دون عمل، وتلك الأحلام أو الأوهام باتت تسيطر على عقول كثيرين، أولئك الذين يمكن أن يفعلوا أي شيء يساعدهم في بلوغ «طموحاتهم» حتى وإن كان الوصول إليها غير قانوني.
وكي لا يداهمنا «السيل»، أرى أنه من واجب مؤسساتنا التربوية والتعليمية والإعلامية وبالتعاون مع الجهات القضائية والشرطية مواجهة تلك الظاهرة التي تهاجم كل المجتمعات. فمن خلال حملات التوعية، ليس فقط بطرح مساوئ هكذا تفكير وسلوك، إنما أيضاً بالعواقب التي يواجهها كل من يقدم على مخالفة القانون ويرتكب جرائم نصب واحتيال، يمكن تنبيه أبنائنا إلى خطورة ذلك.

في المقابل لا أعفي الآباء والأمهات من مسؤولياتهم تجاه أبنائهم المراهقين والشباب بالتحديد. وأعتقد أن كثيرين يتفقون معي بأن دور الأهل لا يتوقف عند انتقادهم مساوئ الكسب السريع غير القانوني، بل يمتد إلى توعية أبنائهم أساساً بضرورة عدم ارتكاب المخالفات، وتبصيرهم بالقوانين التي تجرّم كل محتال وسارق، وتعريفهم أيضاً بالعقوبات التي تُتخذ ضد كل من تسوّل له نفسه بارتكاب أي جريمة كانت، وبأنه متى سقطت الأخلاق سقط معها كل شيء، ومتى غاب الضمير تحول مجتمع بأكمله إلى غابة، وهذا ما لا يريده أحد.

من منّا يكره أن يستمتع بحياته ويتنعّم بالخيرات، لكن ذاك الاستمتاع وهذا التنعّم يجب أن يكون مكافئاً لما نبذله من جهود خلال حياتنا، وحتماً، الإنسان الصالح يدرك تماماً أنه بالجد والاجتهاد والتفكّر والتعقّل سيصل إلى مبتغاه.