أظهرت بيانات وصور جديدة أن احترار المحيطات بسرعة قد يؤدي إلى قطع الجزء السفلي من أكبر الأنهار الجليدية على الأرض، مما يجعل الجليد أكثر عرضة للتشقق ويزيد في النهاية من مخاطر الارتفاع الكبير في مستوى سطح البحر.

وباستخدام روبوت تحت الماء في النهر الجليدي «ثويتس جلاسير»، توصل الباحثون إلى أن الماء الدافئ يتم توجيهه إلى شقوق في ما أسماه الباحثون «المدرجات» - وهي في الأساس خنادق مقلوبة رأساً على عقب - وينحت فجوات تحت الجليد. عندما يتدفق الجليد نحو البحر، تتوسع هذه القنوات وتصبح نقاط تحول محتملة في المستقبل، حيث ينفصل الجرف الجليدي العائم وينتج جبال جليدية ضخمة.

كشفت نتائج توصل إليها أكثر من عشرين عالِماً، والتي نُشرت يوم الأربعاء في ورقتين بمجلة «نيتشر»، إلى أي مدى يمكن أن يؤدي الاحترار الذي يسببه الإنسان إلى زعزعة استقرار الأنهار الجليدية في غرب القارة القطبية الجنوبية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى رفع مستوى سطح البحر العالمي بمقدار 10 أقدام في حالة تفككها على مدى القرون القادمة. ووصل العلماء مع International Thwaites Glacier Collaboration، وهو تعاون علمي تاريخي نظمته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلى واحد من أكثر المواقع أماناً في غرب القطب الجنوبي العملاق في عامي 2019 و2020، حيث استخدموا الماء الساخن للتنقيب في ما يقرب من ألفي قدم من الجليد.

وفي منطقة تُعرف باسم الجرف الجليدي الشرقي، نشروا مستشعراً في قاعدة الجرف الجليدي العائم وأرسلوا «روبوت» على شكل قلم طوله 11 قدماً يسمى Icefin. وجمعت السفينة البيانات والصور في بيئة تضعف فيها مياه المحيط الدافئة، حيث وصلت درجة الحرارة في بعض الأماكن لأكثر من درجتين مئويتين فوق نقطة التجمد في النهر الجليدي.

أما الاكتشاف الأهم الذي توصلوا إليه فهو ذوبان الجليد بنسب متفاوت للغاية، مع خسارة بطيئة نسبياً في المناطق المسطحة على الجانب السفلي من النهر الجليدي. وأوضحوا أن المياه الدافئة التي تدخل شقوق نهر «ثويتس» الجليدي تشكل تهديداً خطيراً، وفقاً لبريتني شميدت، عالمة جامعة كورنيل، وهي الباحثة الرئيسية وراء Icefin مع مجموعة من 12 باحثاً آخر نزلوا على الجليد. وقالت شميدت إن «الماء الدافئ يتغلغل في البقع الضعيفة للنهر الجليدي، وهو نوع يزيد الطين بلة». وتابعت: «لا ينبغي أن يكون الأمر على هذا النحو، ليس هذا ما سيبدو عليه النظام إذا لم يتم فرضه بسبب تغير المناخ». تنبثق الملاحظات الجديدة مما هو تعريف البيئة القاسية.

في هذا الجزء من «ثويتس جلاسير» - ربما أكثر مناطقه استقراراً - يرتفع الجليد الذي يبلغ سمكه 1900 قدم إلى أعلى من قاع البحر وينتشر فوق المحيط. يُطلق على المكان الذي ينطلق منه الجليد أولاً من قاع البحر اسم «الخط الأرضي» (خط التأريض) - وهو التقاطع ثلاثي الأبعاد للجليد والمحيط والصخر الصخري. من الخارج، يخلق الجليد العائم تجويفاً مظلماً يمكن أن تدخله مياه البحر الدافئة وبعض الأسماك - لكن البشر لا يستطيعون ذلك. إلى ذلك، أظهر مقطع فيديو من الروبوت جانباً سفلياً من الجليد يكون مظلماً بسبب تجمد طين قاع البحر والرواسب فيه. بعد ذلك، لاحظ الروبوت تساقط الرمال والحصى من الجليد أثناء ذوبانه. وداخل الصدوع والمصاطب، التقط الروبوت فيديو لجدران جانبية متعرجة تشبه السقف المستدير ذا التجاويف.

من جهته، قال «ريتشارد آلي»، عالم الجليد في ولاية بنسلفانيا الذي لم يشارك بشكل مباشر في البحث، إن «الإنجاز التقني المتمثل في الحصول على هذا النطاق المذهل من البيانات في بيئة صعبة للغاية، والخروج بأمان، أمر رائع». تأتي البيانات والصور الفريدة مما يمكن القول إنه أهم نهر جليدي يواجه المحيط. ونهر«ثويتس» الجليدي عرضه يبلغ 80 ميلاً تقريباً، وهو نقطة الخروج لمنطقة جليدية أكبر من ولاية فلوريدا الأميركية، وهو بشكل أساسي قلب منطقة غرب أنتاركتيكا. وهو كبير جداً لدرجة أنه في حالة فقدانه، لا يمكن استبداله إلا ببحر «ثويتس» جديد. كان «ثويتس» يفقد الجليد بوتيرة متسارعة، بناءً على البيانات التي قدمها إريك ريجنو، أحد المؤلفين المشاركين للدراسات، بجامعة كاليفورنيا في إيرفين.

وأفادت البيانات التي قدمها أن معدل الخسارة كان بشكل عام منذ عام 1979 أقل بقليل من 20 مليار طن جليد سنوياً، لكن زاد إلى أكثر من 40 مليار طن منذ عام 2010. وأشار البحث الجديد إلى أنه بينما يتدفق الجليد إلى الخارج فوق المحيط - وهذا هو السبب في أن هذا الجزء من النهر الجليدي يسمى الجرف الجليدي - فإن الشقوق تنمو وتتطور على مدار هذه الحركة. في الجزء الرئيسي لثويتس - حيث يكون قاع البحر أعمق وحركة النهر الجليدي أسرع بكثير، ويصعب الوصول إليه بأمان - انهار الجرف الجليدي العائم إلى حد كبير.

وفي المنطقة الشرقية من النهر هي الأكثر هدوءاً، حيث تم إجراء البحث، لا يزال سليماً ولكنه يتميز بوجود شقوق كبيرة. في كلتا المنطقتين، يتراجع الخط الأساسي للنهر الجليدي باتجاه مركز القارة القطبية الجنوبية. وفي كلتا المنطقتين، يكون النهر الجليدي غير متوازن، مما يعني أنه يفقد المزيد من الجليد في المحيط أكثر مما يتم استبداله بالتدفق من الأجزاء الداخلية من القارة القطبية الجنوبية.

كانت هناك بعض الأخبار السارة في البحث، في المناطق التي تم قياسها تحت «ثويتس»، والتي لم تتميز بالصدوع والمدرجات، كانت معدلات الذوبان بطيئة إلى حد ما. ذلك لأن المياه العذبة الذائبة الباردة خلقت طبقة واقية تعزل الجليد عن الماء الأكثر دفئاً أدناه - والتي يمكن أن تختلط في الصدوع. وهكذا، حدث ما يقرب من ثلث الذوبان في الصدوع، وفقاً لحسابات العلماء. ومعدل الذوبان الأبطأ خارجها ليس عزاء كبيراً، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا المعدل البطيء، قد لا يكون سمة من سمات الجزء المتغير الأسرع من «ثويتس»، وعلى أي حال لا يغير حقيقة أن النهر الجليدي يفقد الجليد ويتراجع.

كريس موني*

*صحفي أميركي لدى «واشنطن بوست» يغطي شؤون الطاقة والتغير المناخي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»