أعادت زيارةُ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للصين طرحَ معضلة الحاجة إلى دولة أو مجموعة دول يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في الحدّ من المخاطر التي تشكّلها الحرب في أوكرانيا، إنْ لم يكن لوقفها. وكان الرئيسان الأميركي والفرنسي قد تشاورَا هاتفياً، قبيل سفر الأخير إلى بكين، وأعربَا عن أملهما في أن تنخرط الصينُ «معنا» في جهود مشتركة «لتسريع وضع حدٍّ للحرب وإرساء سلام مستدام». ويُعتبر توقيتُ التحرّك الفرنسي مهمّاً، إذ يأتي بعد عرض بكين ورقة الـ«12 نقطة» كأساسٍ للتفاوض والبحث عن صيغة للسلام، وقبل التصعيد العسكري المتوقع في الأسابيع المقبلة في أوكرانيا، حيث كثّف كل طرف استعداداته العسكرية. لكن بكين لم تعلن عن أي دور وساطة ترغب في القيام به، بل إن مبادرتها تركّز على تشجيع روسيا وأوكرانيا على استئناف التفاوض، وقد ناقش الرئيس شي جين بينغ خطتَه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وما يزال مستعدّاً للتحدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي عندما تنضج الاتصالات بشأن الأفكار المطروحة.
لم يكن ماكرون مجاملاً فحسب عندما قال إنه يعَوَّل على الرئيس الصيني في «إقناع روسيا وإعادة الجميع إلى طاولة المفاوضات». فهذه الدعوة تمثّل حالياً وجهة النظر الأوروبية، ولذلك دعا ماكرون رئيسةَ المفوضية الأوروبية، الألمانية أورسولا فون دير لاين، إلى مرافقته. 

وسبق أن استقبل شي جين بينغ المستشارَ الألماني ورئيس الوزراء الإسباني، وتكوّنت لديه فكرةٌ وافيةٌ عن مخاوف الأوروبيين الذين أعادت العمليةُ العسكريةُ في أوكرانيا إلى ذاكراتهم كلَّ الكوابيس والمخاطر التي ظنّوا أنهم تجاوزوها بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى لو كان الرئيسُ الصيني قد تفهّم ردّ فعلهم بعد العملية العسكرية، فإنه يتفهّم أيضاً الهواجسَ الروسية، ويعتقد أنه كان على الأوروبيين أن يبذلوا جهداً أكبر في مفاوضات ما قبل الحرب بهدف تجنّب وقوعها. ثم إنه تبلّغ خلال المحادثات مع ماكرون أن أعضاء حلف «الناتو» جدّدوا في اجتماع بروكسيل «قلقَهم» حيالَ الموقف الصيني واعتبروه «منحازاً» لروسيا!
كانت الصينُ واضحةً في سعيها إلى «شراكة استراتيجية» مع روسيا، لكنها لا ترى دورَها الدولي مقتصراً حالياً على ما يجري في أوكرانيا، بل تستشرف ما بعدها وتعمل على رسم مكانتها وسط متغيّرات كثيرة تتوقعها في أوضاع العالم. ولذا فهي تطرح على كافة الدول، وفي كل مناسبة، كما فعلت خلال استقبال الرئيس الفرنسي، هدف «الشراكة الاستراتيجية الشاملة والدائمة» التي تعطي فيها أولوية لمصالح اقتصادية من شأنها أن تحتوي الخلافات السياسية. ولا شك أن بكين بَنَت مساهمتَها الحيوية في إنجاز اتفاق إعادة العلاقات بين السعودية وإيران على مفهومها هذا لـ«الشراكة»، من دون اشتراطات تعجيزية على أيٍّ من الطرفين. وليس مستبعداً أن يكون هذا الاتفاق هو ما يشجع الأوروبيين حالياً على استعجال دور صيني في أوكرانيا، نظراً إلى أن اتصالات موسكو انقطعت عملياً مع كل عواصم الغرب.
وبالنسبة إلى بكين يُفترض أن يبدأ أي مسار سلمي برغبة طرفي النزاع في وقف إطلاق النار، يليه التفاوضُ بحثاً عن «تسوية». عندئذ ستحتاج هذه التسوية إلى وساطة، لكن طرفاً واحداً لا يستطيع إنجازها مهما عظُم نفوذُه، بل لا بدّ له من شركاء، وإلا فإن الوساطة تبقى مفتقدة. هنا يُطرح السؤال: عندما يحين وقتُ التسوية هل يمكن لأوروبا أن تكون شريكاً للصين أم تبقى متأرجحةً بين الواقع الأميركي والمنطق السلمي؟ 

*كاتب ومحلل سياسي - لندن