«استراتيجية تصفير الملفات» كان عنواناً لمقال نشر هنا بتاريخ 7 ديسمبر 2020، وتمحورت أفكاره حول أولوياتنا الإقليمية من منظور مصالحنا القومية، وضرورة صناعة مقاربات تعمق من مفهوم التعاون الإقليمي في مواجهة تحدياته وإدارة أزماته.

المواثيق الإبراهيمية رغم كونها أكبر عناوين مثل تلك المقاربات الاستراتيجية من منظور (الجغرافيا السياسية المتصلة)، إلا أن تمكينها الحقيقي سياسياً (أي المواثيق الإبراهيمية) جاء عبر فتح الأجواء السعودية لحركة الطيران المدني الإسرائيلي في رمزية حملت أكثر من مدلول سياسي، وجاء ذلك قُبيل زيارة الرئيس بايدن للسعودية.

أدوات الاقتصاد السياسي هي الأنجع في تخفيض مستوى التوترات رغم ما تكتنفه بعض الملفات من تحديات (الملف العراقي/ السوري/ الليبي/اليمني/ التوازن الإقليمي بين التقليدي [تركيا / إيران / إسرائيل] وبروز دور السعودية المركزي عربياً، والدور المتنامي لدولة الإمارات).

وهنا تكمن الجزئية الحرجة، فالتحول في الحالة السعودية والإماراتية ليس بالتقليدي بمقاييس التحولات الإقليمية اجتماعياً اقتصادياً في أدوات تمكين الدولة الوطنية. فكلاهما بقدر استلهامه من التجارب الإنسانية الحديثة، إلا أنه قدم أنموذجاً متجانساً وثقافة إنسانية منتمية، ومحتوية لكل تنوعاتها دون أي شكل من أشكال النوازع الأيديولوجية.

تحديات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، خصوصاً على خلفية الحرب على الإرهاب/ جائحة كوفيد-19/ الأزمة الأوكرانية، باتت أولوية تقتضي تطوير منظور لا يقبل الانحياز القطبي، وأن يدرك شركاء المنطقة الإقليميون (تركيا/ إيران/ إسرائيل) أن أدوار الوكالة (بالنيابة) عن الأقطاب (الولايات المتحدة/ الصين/ روسيا) غير قابلة للاستدامة، في حين تجتهد السعودية والإمارات على تطوير اقتصادات متنوعة وقادرة على قيادة المنطقة واستقطاب رؤوس الأموال (استقرار أمني واجتماعي/ أسواق مال واعدة / صناعات متقدمة/ أمن مائي وغذائي/ وسائط طاقة متجددة/ منظومة مواصلات متعددة الوسائط / تأهيل الموارد البشرية علمياً وفنياً ومتماشياً والنمو السكاني [ضمانات استقرار الأمن الاجتماعي، وتحقيق توازن ديمغرافي مستدام).

عطفاً على ما تقدم، يتوجب على شركاء المنطقة الاستراتيجيين (الولايات المتحدة/ الصين/ وأوروبا) إدراك حيوية جملة التحولات من المنظور الإقليمي، وتطوير مفاهيم متناسبة والأولويات الإقليمية (إعادة إعمار سوريا/ تمكين عملية الانتقال السياسي والاجتماعي في كل من سوريا، العراق، اليمن، لبنان وليبيا) لكل ما تمثله من جغرافيا سياسية واجتماعية إما فاشلة أوغير مستقرة، وتأثيرها المباشر على أمن واستقرار عموم الشرق الأوسط بامتداداته (حوض المتوسط / البحر الأحمر/ القرن الأفريقي/ شمال المحيط الهندي). لذلك فإن التفاهمات الأمنية يجب أن تقوم على مبدأي التعاون الإقليمي أولاً والدولي ثانياً، وأن الإرادة الإقليمية يجب أن تكون قادرة على فرض ذلك الواقع بأدوات متعددة.

*كاتب بحريني