بالرغم من إقرار الهيئة العامة للكنيست، بالقراءتين الثانية والثالثة، لمشروع «قانون أساسي: الحكومة»، الذي يمنع عزل رئيس حكومة من منصبه، والإعلان عن تعذّره عن القيام بمهامه، وهو القانون الذي يُحصّن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي يُحاكم بتهم فساد وخيانة الأمانة، فإن الجدل في الداخل الإسرائيلي لايزال مشتعلًا حول خطة الإصلاحات القضائية، بعد انتقال الاحتجاجات الشعبية ضدها إلى مرحلة العنف «النسبي» مع تنامي أعداد المتظاهرين في مختلف المدن الإسرائيلية. وتتزامن مع ذلك انتقادات الصحافة ومراكز الفكر الغربية وحتى المسؤولين الغربيين التي بدأت تتتالى بشكلٍ لافت حول هذه الإصلاحات. ولعل أهم ما صدر في هذا الشأن هو التنبيه الاستراتيجي الذي أصدره «معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي»، الذي حذر من تداعيات هذه الخطة على مستقبل إسرائيل في الفترة المقبلة.
تناول التحذير الذي جاء على لسان رئيس المعهد، مانويل تراجتنبرغ، جوانب مختلفة من المصالح الإسرائيلية التي ستتأثر بإقرار هذه الخطة، فقد ذكر بأن الترويج للإصلاحات القضائية يخلق أزمة داخلية غير مسبوقة، مما يزيد من حدة التهديدات التي تواجه البلد. وحذر من أن استمرار هذه الخطوة سيضر بشدة بالمرونة الاجتماعية، وروح جيش الدفاع الإسرائيلي وعمله، وسيقلل من القدرة على مواجهة المخاطر، كما سيقلل من دعم أصدقاء إسرائيل، وبالأخص الولايات المتحدة، وسيدمر قوة إسرائيل الاقتصادية وخصوصًا في مجال التكنولوجيا عالية الدقة. اللافت في بيان التحذير هو الاستشهاد بتقرير وزارة المالية الإسرائيلية الذي تنبأ بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف، في السنوات المقبلة، بسبب هذه الإصلاحات. كل هذه الجوانب تُدلل على أن تأثيرات هذه الخطة ستطال النظام الإسرائيلي برمته، وذلك بالنظر إلى أن تداعياتها تشمل المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، والعسكرية.
إن القول بأن المرونة الاجتماعية ستتأثر بسبب هذه الإصلاحات يدل على أن المجتمع الإسرائيلي يواجه خطر الانقسام الذي ستكون محصلته عدم الاستقرار الداخلي. وعندما يتم تسليط الضوء على «روح» الجيش الإسرائيلي، فإن ذلك يُدلل على وجود استياء لدى أطياف الجيش من هذا الملف، ذلك أنه يمس استقلالية أهم سلطة في البلاد التي تُعد الضامن لكيان الدولة من الناحية القانونية. بالإضافة لذلك، فإن التركيز على التهديدات العسكرية يبيّن وجود تخوفات من تسييس دور مؤسسات الدولة بأهواء أعضاء الكنيست، بطريقة لا تضمن أن تُتخذ فيها القرارات بشكل رشيد، وهو ما سينعكس في نهاية المطاف على فاعلية أداء الجيش.
ومن ناحية أخرى، فإن التخبط الحكومي وانقسام الشارع الإسرائيلي قد يؤديان إلى إعادة نظر المجتمع الدولي في طريقة التعامل مع هذه الحكومة التي أدت منذ سنتها الأولى إلى انقسام داخلي غير مسبوق. والسؤال المشروع هنا هو: كيف ستحافظ هذه الحكومة على مصالح الدولة إذا لم تستطع الحفاظ على مصالح شعبها أولًا؟ كل هذا في كفة، والأداء الاقتصادي الإسرائيلي الذي سيتأثر سلبيًّا في كفة أخرى، فمع الركود الاقتصادي والأزمات المالية العالمية المتتالية، فإن هذا الملف قد يُعطل الاستثمار الأجنبي في إسرائيل، وهو ما سيؤثر على أداء مؤشرات الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام.
وبالرغم من وجود بعض البوادر لحلحلة هذا الملف، من قبيل مبادرة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، التي حظيت بقبول المعارضة ورفض الائتلاف، فإن الأفق في ظل الرؤية الحالية للائتلاف الحاكم، والذي تهيمن عليه العناصر اليمينية المتشددة، يبدو أفقًا غير واضح، بل يضع مستقبل البلاد كلها وعلاقاتها الخارجية على المحك.

محمد عبدالله الظهوري

باحث متخصص في الشؤون الإسرائيلية
مركز تريندز للبحوث والاستشارات