أحدث الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا يوم 6 فبراير، والذي بلغت شدته 7.8 درجة على مقياس ريختر، والهزات الارتدادية التي تبعته، التي فاقت شدة بعضها 6 درجات - خسائر كبيرة، بشرية ومادية، في واحدة من أكثر الكوارث الطبيعية التي هزت ضمير المجتمع الإنساني في السنوات الأخيرة. فمع خسائر بشرية بلغت عشرات الآلاف ما بين قتيل ومصاب، ودمار واسع للمباني السكنية والبنية التحتية في عشر ولايات تركية تم إعلانها مناطق منكوبة، إضافة إلى الدمار الواسع الذي لحق بمناطق شمال غرب سوريا التي تعاني بالفعل من صراعات وحروب منذ أكثر من عشر سنوات - بدا العالم في لحظة تاريخية أشد ما يكون فيها حاجة إلى التضامن الإنساني. 
وقد برز هذا التضامن الإنساني بالفعل في بعض المظاهر المهمة، من بينها مسارعة أكثر من 70 دولة للإعلان عن تقديم الدعم للدولتين المتضررتين، ولاسيما تركيا، بما في ذلك المساعدات الإنسانية وفرق الإنقاذ المدربة، وكان لافتًا هنا تجاوز هذا التضامن العديد من الخلافات السياسية التي كانت قائمة بالفعل، حيث قدمت دول مثل اليونان وإسرائيل وبعض الدول الأخرى، التي تختلف سياسيًا مع تركيا، الدعم لها. 
وعلى الرغم من أن تركيا لديها خبرة في الزلازل الشديدة وآليات متطورة للاستجابة لحالات الطوارئ، فإنها نالت دعمًا قويًا وسرعة استجابة دولية، في حين أن سوريا لم تنل مثل هذا الدعم رغم حاجتها الفعلية والقوية، في ضوء عدم امتلاكها الموارد اللازمة القادرة على التعامل مع مثل هذه الكوارث الطبيعية، ولاسيما مع تزامن الزلزال مع عاصفة ثلجية وتساقط الأمطار وموجة برد قارس، الأمر الذي زاد من تفاقم الكارثة والصعوبات التي تواجه فرق الإنقاذ في الوصول إلى الضحايا والمنكوبين. فعلى سبيل المثال، وصلت أول قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة إلى سوريا بعد ثلاثة أيام كاملة من وقوع الكارثة، وهو وقت طويل للغاية للوصول إلى مَن كان يمكن إنقاذهم. وربما يعود السبب في ذلك إلى حقيقة أن الزلزال المدمر قطع خطوط الإمداد التي تصل شمال سوريا عبر تركيا، إضافة إلى القيود التي كانت مفروضة من قبل على وصول المساعدات لهذه المناطق. 
وقدمت دولة الإمارات العربية المتحدة أحد النماذج المضيئة في سرعة الاستجابة لمثل هذه الكوارث الطبيعية، حيث كانت الدولة ضمن أول الدول التي كان لها حضور على الأرض، وشاركت بفاعلية في عمليات الإنقاذ من خلال عملية «الفارس الشهم 2» التي أطلقتها، كما أعلنت عن تقديم 100 مليون دولار لإغاثة المتضررين من الشعبين السوري والتركي، وأطقت حملة تبرعات لدعم ضحايا الزلازل، وغير ذلك من جهود ومبادرات عديدة في تجسيد واضح لدورها الإنساني العالمي الذي يشكل أحد التوجهات الأساسية في سياستها الخارجية. 
لقد أكدت كارثة الزلزال التركي - السوري الأخيرة الأهمية الكبيرة للتضامن الإنساني في مواجهة الكوارث الطبيعية التي تزايدت بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، وأهمية بلورة آليات واستراتيجيات مبتكرة، ليس فقط في مجال الاستجابة الطارئة والسريعة لمثل هذه الكوارث، وإنما أيضًا في مجال التنبؤ بها واستباق حدوثها، بما يقلل الخسائر الناجمة عنها، وقد تطرح تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة أدوات مساعدة في هذا المجال.

*رئيس قطاع البحوث والتدريب - تريندز للبحوث والاستشارات.