من بين شركات التكنولوجيا الكبرى في العالم، ربما تكون شركة ألفابت هي الأكثر قلقاً من معضلة الابتكار. والنظرية الكلاسيكية للأستاذ بكلية هارفارد للأعمال، كلايتون كريستنسن، تشير إلى أن الشركات الكبيرة تسعى جاهدة في مضمار الابتكار لأنها تخشى الإضرار بأعمال اقتصادية راسخة. وعاشت ألفابت هذا المأزق خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث تعرضت لضغوط هائلة لمواجهة روبوت الدردشة تشات جي.بي.تي، وهو أداة شركة «أوبن أيه.أي»، الذي قد يعيد ابتكار البحث على الإنترنت بإجاباته الجيدة على أي سؤال. لكن يتعين على «جوجل» توخي الحذر لأنها تجني المال من أعمال البحث التي تبلغ قيمتها 150 مليار دولار أموالاً في كل مرة نقوم فيها بالنقر فوق إعلانات وروابط، وقد تؤدي الإجابات الفردية المركبة على الاستفسارات إلى إبعاد هذه النقرات. والآن قرر «سوندار بيتشاي»، الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت، أنه لا خيار أمامه سوى المغامرة. 
وأعلن بيتشاي نتائج الربع الرابع التي قلت قليلاً فحسب عن تقدير المحللين، وقال إن «جوجل» ستوفر نموذجها للغة الكبيرة القائم على الذكاء الاصطناعي والمعروف باسم «لامدا» في «الأسابيع والأشهر المقبلة»، وسيكون بوسع الناس استخدامه كرفيق بحث. والتعهد «بالتركيز على الذكاء الاصطناعي» أصبح شائعاً الآن في شركات التكنولوجيا الكبيرة. فقد قال «مارك زوكربيرج» الشيء نفسه إلى حد كبير هذا الأسبوع حين تحدث عن مدى مساعدة الذكاء الاصطناعي في تحسين منتجات «فيسبوك». لكن لدى جوجل مصداقية أكثر من أي شركة أخرى حين يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي. فهي تمتلك شركة ديبمايند، إحدى الشركات الرائدة في التعلم المعزز والتعلم العميق، وهو نهج متطور للذكاء الاصطناعي، وقد اخترع باحثو جوجل تقنية «المتحول» التي تشغل «تشات جي.بي.تي». 
وتمتلك جوجل أيضا «لامدا»، وهو نموذج للغة الكبيرة تم تدريبه على مليارات الكلمات على الإنترنت، تماما مثل نموذج «تشات جي.بي.تي»، لكن هناك فرصة جيدة أن يكون «لامدا» أفضل. لأنه يستفيد من مجموعة واسعة من المواهب البحثية في «جوجل» وكميات هائلة من قوة الحوسبة، ناهيك عن التغذية المرتجعة التي يقدمها ملايين المستخدمين لبلوغ الدقة التامة دوماً. حتى أن أحد مهندسي جوجل اعتقد أن لامدا يتمتع بوعي ذاتي بعد الدردشة معه. 
لكن معضلة المبتكر أجبرت جوجل على إبقاء «لامدا» مخفياً بعيداً، خوفاً من افتراس نتائج بحثه أو تقديم ملاحظات مسيئة وأخطاء فادحة. وأصبح «تشات جي.بي.تي» معروفاً بأخطائه المتكررة، ويمكن لشركة «أوبن أيه.أي»، ألا تتضرر من هذه الأخطاء لأنها شركة أصغر. لكن جوجل التي بها 3.5 مليار عملية بحث في اليوم، ليس لديها مثل هذه الرفاهية. والسؤال الحاسم الآن هو كيف ستدمج جوجل روبوت للدردشة في البحث، نظراً لأن الأشخاص لا يستخدمون «تشات جي.بي.تي» بالطريقة نفسها التي يستخدمون بها جوجل. ومع الأخذ في الاعتبار أن أفضل 10 مصطلحات بحث في جوجل كلها أسماء تجارية مثل «فيسبوك» و«يوتيوب» و«أمازون». وهذا لأن الأشخاص دأبوا على استخدام جوجل للتنقل إلى مواقع أخرى. وغالباً ما تكون المصطلحات الشائعة الأخرى متعلقة بالمعاملات، مثل «المطاعم القريبة مني» أو «هاتف سامسونج جالاكسي». وهذه ليست المصطلحات التي قد يستخدمها المرء في «تشات جي.بي.تي»، وهي مربحة لجوجل. 
وستبتكر «جوجل» على الأرجح فئة بحث إضافية لشيء مثل «إجابات المحادثة» لتظهر بجانب أيقونات الصور والخرائط والأخبار أسفل شريط البحث، وسيخدم هذا «الرفيق» القائمة الطويلة من استعلامات البحث التي لا تحقق لجوجل الكثير من المال، مثل البحث عن وصفة لإعداد وجبة أو البحث عن حدث تاريخي. ويجب توخي الحذر الشديد من ألا تصبح نسخة جوجل الخاصة من «تشات جي.بي.تي» مسؤولة عن النصائح السيئة. لقد أصبح من الشائع جداً أن يبحث المرضى عن أعراض مرضهم على جوجل، وإذا لجأوا إلى رفيق البحث الجديد للشركة وحصلوا على مشورة طبية سيئة، فقد يتحول ذلك إلى مشكلات قانونية أخرى لجوجل وخطر على المستخدمين. 
ويتعين على «جوجل» التكيف مع عالم يتم فيه إنشاء المحتوى بشكل متزايد بوساطة الذكاء الاصطناعي. فموقع «سينت» الإخباري يستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء تقارير للمشورة المالية -أكثر من نصفها به أخطاء- والمؤثرون على الإنترنت يشجعون الأشخاص على استخدام تشات جي.بي.تي. ونظراً لإغراق الويب بالمحتوى التطفلي أكثر من ذي قبل، ستعمل خوارزميات البحث في جوجل بجد أكبر لتصنيف المحتوى عالي الجودة. وسعت الشركة جاهدة لتحديد إستراتيجيتها للذكاء الاصطناعي، معلنة حالة الطوارئ بعد أن شاع استخدام برنامج «تشات جي.بي.تي»، وأعادت تعيين الفرق للعمل على نماذج أولية جديدة للذكاء الاصطناعي. حتى أن بيتشاي استدعى مؤسسي جوجل، «سيرجي برين» و«لاري بيج»، للمساعدة في وضع استراتيجية لتعامل جوجل مع «تشات جي.بي.تي». صحيح أن «جوجل» اشترت من قبل شركات أخرى لمساعدتها في بناء مجموعة تقنية إعلانية قوية ومربحة، لكنها لا تستطيع بالمثل أن تشق طريقها إلى موطئ قدم أقوى في مجال الذكاء الاصطناعي التكاثري. ويتزايد الضغط من قبل منظمي مكافحة الاحتكار، حيث تهدد دعوى قضائية من وزارة العدل بتفكيك الشركة. 

والمفارقة المؤلمة لجوجل الآن هي أنها تتعرض لعقوبة لكونها مهيمنة للغاية وغير قادرة على المنافسة بدرجة كافية. وللخروج من هذه المعضلة، يجب عليها الآن التخلي عن نهجها الحذر الشهير تجاه الابتكار واستخدام الخبرة التي لديها لمواجهة التحدي من شركة أوبن أيه.أي. التي تمولها مايكروسوفت. وقول بيتشاي إن جوجل قد تطرح خدمتها الجديدة «في غضون أسابيع» يظهر مدى التهديد الذي يراه في «تشات جي.بي.تي». و«جوجل» عادة لا تتحرك بهذه السرعة. ويتعين عليها فحسب أن تتأكد من أنها لن تتعثر وهي تخرج علينا بسلاحها السري الجديد. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»