ربطت بين الهند ومصر اللتين تُعدان أقدم حضارتين في العالم، علاقاتٌ ثنائية منذ «حركة عدم الانحياز»، المؤلَّفة من بلدان حديثة الاستقلال رفضت خلال منتصف القرن الماضي الانحيازَ إلى طرف معين في الشؤون الدولية. كان نهرو وناصر مؤسسي هذه الحركة إلى جانب الزعيم الإندونيسي سوكارنو. لكن منذ تلك المرحلة التي سادها قدر استثنائي من مشاعر الودّ المتبادلة التي طبعت سنوات نيهرو وناصر، عرفت العلاقات بين البلدين كثيراً من المد والجزر. وكان من نتائج ذلك أن العلاقة لم تحقّق كل ما كان مرجواً منها.
ولإعطاء دفعة لعلاقاتهما الثنائية، اتفقت الهند ومصر هذا الأسبوع على تعميق علاقتهما خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. الرئيس المصري حلّ بالهند ضيفاً كبيراً بمناسبة «يوم الجمهورية» الهندي الرابع والسبعين، وهو اليوم الوطني للبلاد. وعادةً يتم اختيار ضيوف «يوم الجمهورية» الهندي الكبار من قادة البلدان التي ترغب الهندُ في تقوية علاقاتها معها وتعتبرها مهمةً لحساباتها الاستراتيجية. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أصبحت القاهرة لاعباً مركزياً في التطورات في غرب آسيا والبحر الأحمر والقرن الأفريقي والقارة الأفريقية بشكل عام. وفي الوقت نفسه، أخذت الهندُ تتقلد دوراً قيادياً في الشؤون العالمية، حيث تسعى إلى أن تكون صوتَ الدول النامية. وهذا مهم نظراً لأن معظم المحافل والمنتديات الدولية متعددة الأطراف تهيمن عليها الدولُ المتقدمة، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى غياب وجهة نظر البلدان النامية وعدم سماعها. 
زيارة الرئيس السيسي إلى الهند جاءت على خلفية التطورات الإقليمية المهمة، وهو ما يتيح فرصاً لتأسيس قواعد للتعاون من أجل مصالح متبادلة وتوسيع العلاقات إلى مجالات جديدة غير مستكشَفة. فالهند تحدوها طموحاتٌ عالميةٌ، إذ تسعى إلى تعزيز حضورها البحري. ولهذا فهي تسعى إلى تعميق علاقاتها مع الشرق الأوسط في وقت يُعير فيه رئيسُ الوزراء مودي المنطقة اهتماماً خاصاً، وهو ما يُعد مهماًّ لأمن الهند، لاسيما في الطاقة، لكن أيضاً نظراً للجالية الهندية الكبيرة في المنطقة. ومن جهة أخرى، فإن لمصر وزنها الخاص، إذ تتمتع بنفوذ كبير في المنطقة وتُعد أحدَ أعمدة الاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا. ولهذا، يُعد تعميق العلاقات مع مصر جزءاً من دبلوماسية الهند الشرق أوسطية. وعلاوة على سكانها البالغ عددهم نحو 110 ملايين نسمة، فإن مصر تتمتع بموقع استراتيجي بين آسيا وأفريقيا، وتُعد قناة السويس المصرية الطريق الرئيسي بين أوروبا وآسيا. 

تعميق العلاقات مع مصر مفيدٌ بطرق أخرى أيضاً للهند. ذلك أن مصر هي البلد العربي الأكبر من حيث عدد السكان في المنطقة، وهي تتوافر على النفط والغاز، إذ تُعد الهند واحدةً من أوائل البلدان المستوردة للنفط الخام والغاز الطبيعي المصريين. ونسبة 46,2 في المئة من صادرات مصر إلى الهند كان عبارة عن نفط متبوعاً، بنسبة11,1 في المئة من الغاز. وإضافة إلى ذلك، فإن مصر تربطها علاقات وثيقة مع كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، الشريكين الاستراتيجيين المهمين للهند في الخليج العربي. 
وبمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لإقامة علاقاتهما الدبلوماسية، اتفق البلدان على تعميق التعاون في مجموعة من المجالات، بما فيها خططٌ لإجراء مزيد من المناورات العسكرية وتدابير جديدة لتكثيف الاتصالات بين جيشي البلدين. وحتى الآن، تُدار العلاقات الثنائية في مجال الدفاع عبر «لجنة دفاع مشتركة» انعقدت 9 مرات منذ عام 2006. ويشمل التعاون في مجال الدفاع: إجراء تمرينات مشتركة للقوات الجوية والبحرية، وعدداً من برامج التدريب، والمشاركة في معارض الدفاع التي تقام في مصر والهند. كما يتطلع كلا الجانبين إلى التعاون في الصناعات الدفاعية أيضاً. 
وقد عرفت العلاقات في مجال التجارة طفرةً، إذ انتقلت من 4,55 مليار دولار في السنة المالية 2018-2019 إلى 7,26 مليار دولار في السنة المالية 2021-2022، أي ما يمثّل زيادة بنسبة 75 في المئة خلال عام واحد، ما يجعل من الهند ثالثَ أكبر سوق تصدير لمصر وسادس أكبر شريك تجاري لها. وتستثمر الشركات الهندية في بعض المشاريع ذات القيمة المرتفعة في مصر. وحتى الآن، تمتلك الهند استثمارات تفوق قيمتها 3,15 مليار دولار في مصر، وهي استثمارات يمكن أن تزداد مع وعد مصر بتوفير حوافز وتسهيلات بموجب اللوائح والأطر الحالية. كما يتوقع أن تخصّص مصر أراضٍ للصناعات الهندية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بقناة السويس. وقد سُمح للجانب الهندي بإعداد الخطة الرئيسية للمقترح. 
وإلى جانب الاتفاق على محاربة الإرهاب بكل أشكاله، بما في ذلك الإرهاب العابر للحدود، قرّر الزعيمان تطوير إطار طويل الأمد لتعاونٍ أكثرَ شموليةً في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والعلمية. كما وقّع البلَدان مذكرةَ تعاون في المجال الثقافي لتعزيز العلاقات الثقافية لمدة 5 سنوات. وإلى ذلك، فقد اتفق البلدان على مراعاة كل منها للحساسيات الثقافية والاجتماعية للبلد الآخر. وقررا الحفاظ على هذه المبادئ الأساسية عبر «مشاورات دورية للتنسيق على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف». 
وفي ظل وجود أسس متينة للعلاقات الثنائية، يمكن القول إن زيارة الرئيس السيسي عبّدت الطريق لبدء فصل جديد في العلاقات الثنائية بين البلدين اللذين يصعدان إلى الواجهة حالياً باعتبارهما صوتين مهمين في الشؤون العالمية. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي