تحاول بعض الأوساط الغربية ووسائل الإعلام الأوروبية التستر وراء مبدأ حرية التعبير، كمبرر للتساهل مع واقعة إحراق المصحف التي أقدم عليها المتطرف السويدي الدنماركي راسموس بالودان، رغم أنها جريمة كراهية واضحة، وعمل عنصري مستفز أثار الغضب وردود الفعل الطبيعية والمتوقعة من المسلمين، ومن كل إنسان ينظر باحترام إلى عقائد الآخرين، إذ لا يمكن تبرير ما حدث من انتهاك وتطاول أو التغاضي عنه تحت أي مبرر.

هذه الواقعةُ تفتح من جديد ملفَّ حرية التعبير الذي يتخذه المتطرفون في الغرب شماعةً لبث الكراهية، والترويج لأفكار متطرفة أو منحرفة، دون أن يكون هناك أي رادع أو ضابط قانوني يحد من استخدام الحرية المطلقة للإساءة للآخرين واستفزاز مشاعرهم. ولم يمر هذا الموقف المتعصب والمستهجن دون أن تعبِّر دولةُ الإمارات عن رفضها «لجميع الممارسات التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، والتي تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية».

ويكفي الإمارات أن تشريعاتها القانونية تجرِّم المساسَ بعقائد الآخرين، وهي تطبق القانون في مجتمعها لمنع أية إساءة ضد أي دين من الأديان، وهذا ما ينقص التشريعات في الغرب الذي جعل بعض مفكريه من حرية التعبير ذريعةً لتبرير كل فعل أو تصرف يتسبب في جرح مشاعر الآخرين.

ومن المؤكد أن مَن أيدوا أو تجاهلوا ذلك الفعل المتعصب باسم الحرية، يدركون أن الإسلام يعد أحدَ أبرز مكونات هوية ما يقرب من ملياري إنسان يدينون به كعقيدة وثقافة، وللمصحف في عقيدتهم قدسيته كما للكتب المقدسة في الأديان الأخرى مكانتها.

لكن أسلوب فهم بعض الغربيين للحرية يتجه إلى منح حق توجيه الإساءات للمجتمعات الأخرى، وعدم وضع ضوابط أخلاقية وقانونية لتلك الحرية التي يتشدقون بها، ويستغلونها لازدراء الأديان وأحياناً للترويج للانحرافات الأخلاقية ومحاولة تسويقها وجعلها من صميم الأعمال الفنية في السينما والدراما التلفزيونية.

من الواضح أن الغرب يعاني من ضغوط تدفق المهاجرين من العالم الإسلامي، وهذا ملف آخر يمكنهم التعامل معه بأساليب قانونية، بدلاً من التطاول المتكرر على الإسلام، وهذه التصرفات لن تتوقف إلا بتضمين القوانين مبدأ احترام العقائد الأخرى، وعدم السماح بالتطاول عليها واستفزاز معتنقيها.

وتكشف واقعةُ حرق المصحف أيضاً عن تصاعد حدة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب، والتي تتداخل معها زيادة أعداد اللاجئين القادمين من دول إسلامية، بالتزامن مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وأثرها السلبي على الاقتصاد الأوروبي وارتفاع أسعار السلع، والمصاعب التي تعاني منها دول القارة في توفير الطاقة اللازمة لاستمرار الإنتاج في مصانعها.

إن ما حدث يؤكد مجدداً تزايد نفوذ أحزاب اليمين المتطرف داخل أوروبا، وسعيها لاستقطاب المزيد من الأتباع عبر الإساءة للإسلام، لأن الأساس الذي تنطلق منه الموجةُ الجديدةُ من التطرف القومي في أوروبا يقوم على التحريض الممنهج ضد اللاجئين والمهاجرين، وتهييج المجتمعات الغربية ضد القادمين إلى أوروبا من الدول الإسلامية.

إلا أن ما سبق لا يبرر السكوت على المتطرفين، وعلى ما يقومون به من فترة لأخرى من استفزازات، لأن أفعال الكراهية تسيء للمسلمين بقدر ما تسيء لأوروبا نفسها التي تشتهر في الذاكرة الثقافية بفلسفة التنوير والنهضة والحداثة والتسامح، بينما تقود تصرفات بعض السياسيين في أحزاب اليمين المتطرف إلى رسم صورة أخرى لأوروبا تجعلها أكثر ميلاً للعنصرية والتعصب.

وإذا كان من الصعب على البعض في أوروبا السيطرة على مشاعر الكراهية التي أصبحت تنمو لديهم ضد الآخرين، فيجب على المشرعين في هذه الدول سن القوانين التي تخفف من مظاهر تلك الكراهية، لكي تحمي أوروبا صورتَها ومجتمعَها من العنصريين الجدد.

*كاتب إماراتي