حين يولد الطفل فإنه يتساوى مع كل طفل ولد معه في العالم، ولكن حين يمضي به العمر تتغير تلك المساواة اللحظية ويتشكل مصير هذا الطفل إلى الشيخوخة طبقاً لظروف المجتمع ومعطيات الحياة، وتتراكم الخبرات والتجارب ويمضي العمر بالإنسان حتى يصل في رحلته إلى مرحلة الشيخوخة والتي تختلف نظرة الفرد لذاته ونظرة المجتمع له من ثقافة لأخرى.
طبقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن وتيرة تقدم السكان في السن أسرع من ذي قبل. فما بين عامي 2020 و2030، ستزداد أعداد سكان العالم الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً بنسبة 34%. وبالنسبة إلى التركيبة السكانية الإماراتية، فقد أظهر مؤشر التنمية البشرية عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2021 أن متوسط العمر في الإمارات يبلغ 78 عام. 
من تلك الإحصائيات، نجد أن العالم يتجه ناحية شيخوخة ديموغرافية متنامية، وسيستمر هذا النمو مطرداً مع التحسن في الخدمات الصحية وأساليب المعيشة وتطور العلوم البيولوجية والصحية التي تعطي الإنسان المعرفة، التي يبنى عليها مقاومة الأمراض وتوفير حياة صحية سليمة.
تؤدي الشيخوخة الديموغرافية إلى حدوث خلل في التركيبة العمرية للسكان في العالم ككل، وأي خلل في التركيبة السكانية تتوقف تداعياته السلبية على كيفية التعامل مع نتائجه وهل يمكن تحويل تلك النتائج إلى دوافع إيجابية أم لا؟ 
نظرة الدول والحكومات للشيخوخة الديموغرافية تمثل داعماً كبيراً في التعامل مع سلبيات هذه الظاهرة وتحويلها إلى إيجابيات وجعل تلك المرحلة العمرية أكثر إنتاجية ومساهمة في حركة المجتمع من خلال البرامج الداعمة نفسياً وإنسانياً لهذه المرحلة العمرية من حياة الإنسان، والتي تمثل عنصراً مهما لا يتوفر إلا لها وهو عنصر الحكمة الممزوجة بالخبرة الحياتية، التي يمكن أن تكون كنزاً معرفياً داعماً لخطط المجتمع. في الإمارات كان هناك وعي حول هذا الأمر بدءا من تغيير المسمى إلى كبار المواطنين، والذي يمثل رمزاً لهذه الرؤية الإنسانية ودعما لهم. كما اعتمدت حكومة الإمارات القانون الاتحادي رقم 9 لسنة 2019 بشأن حقوق كبار المواطنين. يهدف القانون إلى ضمان تمتع كبار المواطنين بالخدمات المتعلقة بحقوقهم وتوفير الرعاية والاستقرار النفسي والاجتماعي والصحي لهم، واعتمد مجلس الوزراء «السياسة الوطنية لكبار المواطنين» ضمن منظومة رعاية مجتمعية وصحية شاملة.
لكن دائماً عمل الدولة لا يأتي نتائجه الإيجابية دون وعي ذاتي ومجتمعي، فالشيخوخة دائماً تدعو لشعور الإنسان بالقلق حيال مستقبله والكثير يشعر أن بوصوله لسن التقاعد والشيخوخة فقد تمت رسالته في الحياة وعليه أن يجلس في غرفته ينتظر نهاية الرحلة الحتمية. والبعض يتعامل معها على أنها فترة الراحة والسكينة والهدوء والانعزال عن العالم وحركة التطور الحياتية المختلفة فيتوقف عن الحركة داخل المجتمع. يجب أن نعترف بأن ثقافتنا العربية تخضع لتلك التصورات بصورة مخيفة، فهذه التصورات تحول مرحلة الشيخوخة إلى صورة من صور الموت المعنوي الذي سيؤدي إلى الانهيار النفسي ويستتبعه انهيارا صحيا للإنسان ومعاناة يومية.
هذه الثقافة يجب أن نعيد النظر إليها فالشيخوخة مرحلة عمرية مثلها مثل كل المراحل العمرية التي يتمتع بها الإنسان لها معطياتها ودوافعها التي يجب أن تتغير من مفهوم نهاية العمر إلى مفهوم بداية مرحلة جديدة. فنظرة المجتمعات الغربية لهذه المرحلة ذات بعد إنساني وثقافي إيجابي تدفع الإنسان إلى رؤية مرحلته العمرية بانها رحلة جديدة ببداية جديدة بطبيعة عمل وفكر مختلفة حيث إنها تغير في آلية التعامل مع الحياة لا نهاية العلاقة بها.
إن التطور المتنامي في العلم والمعرفة والرعاية سيزيد من الشيخوخة الديموغرافية ومع هذا التغير لابد أن يكون هناك تغير في الثقافة الذاتية والمجتمعية حول هذه المرحلة من العمر لتكون مرحلة إنتاج معرفي وفكر وثقافي لا مرحلة صمت وانتظار. 
*أستاذ زائر بجامعة الإمارات وأستاذ زائر بكلية التقنية العليا للطالبات بالعين