في حي كايبيرا العشوائي الفقير، تبدو الحياة أحياناً عبارة عن فوضى وكفاح يومي. فالسكان يسرقون الكهرباء من أسلاك الأعمدة الكهربائية العمومية، والأطفال يمشون حفاةً عبر ممرات تنضح بمياه الصرف الصحي، والناس مضطرون من حين لآخر لتفادي «المراحيض الطائرة» – وهي عبارة عن أكياس بلاستيكية يستخدمها السكان كمرحاض لقضاء حاجاتهم ثم يتخلصون منها عبر قذفها في هذا الاتجاه أو ذاك. ومع ذلك، فإن هذا الحي الفقير ملهمٌ ويبعث على الأمل والتفاؤل. فعلى الرغم من كل التحديات، إلا أن كايبيرا مكانٌ للأمل أيضاً وتقدّم درساً في التنمية من أسفل إلى أعلى يجدر بالعالم التعلم منه. 
تبدأ القصة مع طفل أطلقت عليه أمه العزباء (وكان سنها 15 عاماً حين أنجبته) اسم كينيدي، لأنها أرادته أن يكون مثل رئيس أميركي سمعت اسمه. كينيدي أوديدي الصغير لم يتعلم في مدرسة نظامية، وفي سن العاشرة، فرّ من البيت هرباً من زوج أمه العنيف وانتهى به الأمر مشرداً ينام في الشارع. 
تعلّم كينيدي القراءة وتأثر بكتاب حول سيرة نيلسون مانديلا أعاره إياه أحد الباحثين. وبعد ذلك، قام كينيدي، ذو الشخصية الكاريزمية والمفعم بالحماس، بإنشاء جمعية للمساعدة الذاتية في كايبيرا تدعى «أمل ساطع للمجتمعات»، وتُعرف أكثر بـ«شوفكو». 
طالبة أميركية من جامعة ويسليان تدعى جيسيكا بوسنر تطوعت للخدمة في الجمعية، ثم أقنعت جامعتها بقبول طلب تسجيل كينيدي كطالب يستفيد من منحة كاملة، على الرغم من أنه لم يسبق له أبداً أن اجتاز مدرسة ابتدائية حقيقية. ووقع جيسيكا وكينيدي في حب بعضهما بعضاً وتزوجا بعد تخرجه. 
أحد أوائل مشروعات «شوفكو» كانت «مدرسة كايبيرا للفتيات»، التي استقطبت بعضاً من أفقر الفتيات في الحي. آباؤهن كانوا أميّين أحياناً. غير أن الفتيات كن يعرفن أنهن متميزات، ومع بعض الاهتمام والتعليم المكثف، تحولن إلى طالبات نجمات، يتفوقن على الأطفال في مدارس كينية خاصة باهظة الثمن. 
إنني صديق قديم لكينيدي وأتتبعُ عمله منذ زيارتي الأولى قبل اثني عشر عاماً. وإحدى الفتيات التي كنت التقيتُها آنذاك، حينما كانت في الصف الثاني، تدرس الآن بجامعة كولومبيا. كما يدرس رفاقها السابقون في القسم في أربع جامعات أميركية وكذلك في جامعات كينية. 
لنعترف بأن التنمية صعبة، ولا سيما في الأحياء الفقيرة التي تنمو وتنتشر بسرعة عبر العالم. فمليارات الدولارات تُضخ في أفقر البلدان، وفي هايتي وجنوب السودان، مثلاً، يرى المرء أساطيل من مركبات الـ«إس يو في» البيضاء الباهظة تقودها منظمات الإغاثة، ولكن ما ينقص هو تنمية اقتصادية طويلة الأمد. فصحيح أن المساعدات الدولية تُبقي الأطفال أحياء، وهو إنجاز غير هيّن. ولكنها تحرز نجاحاً أقل في تحويل الأماكن المضطربة. 
وهذا هو الجانب حيث تتفوق جمعية «شوفكو» باعتبارها نموذجاً بديلاً. تمكينها للقواعد المجتمعية الشعبية لديه أوجه شبه مع «براك»، وهي منظمة للتنمية توجد في بنغلاديش وأعتبرها شخصياً واحدةً من أكثر منظمات الإغاثة فعاليةً في العالم، ومع «فونكوز»، وهي منظمة غير ربحية محلية مماثلة في هايتي. 
انتشرت «شوفكو» عبر الأحياء منخفضة الدخل عبر كينيا، وباتت تضم اليوم 2.4 مليون عضو، ما يجعل منها واحدة من أكبر المنظمات المجتمعية الشعبية في أفريقيا. الجمعية توفّر المياه النظيفة، وتحارب التحرش، وتدير «اتحاداً ائتمانياً»، وتدرّب الأشخاص على إطلاق مشاريع تجارية صغيرة، وتدير مكتبات، وتوفر الإنترنت، وتعبّئ الناخبين للضغط على السياسيين من أجل جلب خدمات إلى الأحياء الفقيرة، وتدير حملات صحية عامة، وتقوم بألف شيء آخر. 
وهي تنجح، في اعتقادي، لأنها تجسّد شراكةً: شراكة محلية مقرونة باعتماد على أفضل الممارسات الدولية. وعلى سبيل المثال، فإن جمعية «شوفكو» تبنّت برامج علاج الديدان والوقاية من سرطان عنق الرحم والتي تعكس أفضل المعارف الدولية في المجال، وحظيت بقبول السكان. 
كنت تساءلتُ عن مدى إمكانية توسيع وتكرار نموذج «شوفكو»: هل تراه يعتمد على كاريزما كينيدي، ما يجعل من الصعب تكرار التجربة في أحياء عشوائية فقيرة أخرى؟ كلاّ، إن النموذج وسِّع بسلاسة عبر البلاد، وتبيّن أن أحياء عشوائية فقيرة في كينيا لديها أبطالها الخاصون بها ممن يشبهون كينيدي.
كثيراً ما أكتبُ عن الفقر. ولئن كان الموضوع يمكن أن يكون محبطاً أحياناً، فإنني أجد في أحيان كثيرة أسباباً للتأثر واستلهام الدروس. ومن بين النساء اللاتي قابلتُهن في هذه الزيارة إلى «كايبيرا» لورين أودهيامبو، 23 عاماً، وهي عضو في «شوفكو» توفي والدها عندما كانت طفلة صغيرة. تتشارك لورين كوخاً من غرفتين مع ستة من أفراد عائلتها وجرذان يزورن المكان من حين لآخر. البيت لا يتوفر على مطبخ ولا على مياه جارية، ويتطلب بعض التخطيط المسبق: ذلك أن مرحاض الحي يغلق من الساعة 10 ليلاً إلى 6 صباحاً. 

تكسب والدتها 70 دولاراً في الشهر من غسل ثياب أشخاص آخرين. ولكن لورين انضمت إلى «شوفكو» وتسجلت في دورة لمهارات الحاسوب ساعدتها على الحصول على وظيفة تتقاضى عنها 250 دولاراً في الشهر. استخدمت لورين ذاك الدخل لشق طريقها عبر جامعة نيروبي، وهذا العام، ستصبح أول شخص في عائلتها يحرز شهادة جامعية. وبعد تخرجها، تتوقع أن تجد وظيفة براتب شهري قدره 400 دولار. 
كل هذا ما كان ليحدث لولا «شوفكو»، تقول لورين. سألتُها لماذا، متوقعاً أن تتحدث عن مهارات الحاسوب التي تعلّمتها. ولكن بدلاً من ذلك أوضحت لي فكرة أكبر: لقد علّمها البرنامج أن سكان الأحياء العشوائية الفقيرة ليسوا أقل شأناً أو ذكاءً من أي شخص آخر. 
«إنني لم أكتسب مهارات فقط، ولكنني اكتسبت الثقة أيضاً»، تقول لورين. أما بخصوص التحديات المستمرة التي تراها حولها في كايبيرا، فتقول: «إن أمر تغييرها منوطٌ بنا نحن».
كايبيرا ما زالت تحتاج إلى مجاري الصرف الصحي، ومدارس، وطرق محترمة، ولكن نجاح لورين يمثّل تذكيراً بما تستطيع منظمةٌ مجتمعيةٌ شعبيةٌ تحقيقه حتى في أفقر حي عشوائي، رغم ضعف احتمالات النجاح. وهذا يمدّني بالأمل في الحقيقة. أمل وطيد. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2023/01/11/opinion/kenya-development-slum.html