ودع المصريون سنة 2022، بمؤشراتها السلبية والإيجابية واستقبلوا سنة 2023 بسلسلة خطوات حكومية عبر إجراءات نقدية ومالية تبشر بمؤشرات إيجابية مرتقبة. وقد تمكن الاقتصاد المصري من تجاوز معظم أزماته، وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي. في مسيرة التعويم الكامل لسعر صرف الجنيه، مع التأكيد على ضرورة حسن تطبيق إدارة «الخصخصة»، تنفيذاً للقرار الذي وقعه مؤخراً الرئيس عبد الفتاح السيسي بالموافقة على «وثيقة سياسة ملكية الدولة» التي تقضي بدعم القطاع الخاص، بطرح استثمار 62 نشاطاً اقتصادياً في عدد من القطاعات والصناعات التحويلية. 
منذ الاجتماع الاستثنائي للبنك المركزي في 19 مارس الماضي، إثر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، بدأ سعر صرف الجنيه بالتراجع بمعدلات كبيرة مقابل الدولار الأميركي الذي قفز سعره بنسبة 73% (من 15.75 إلى 27.25 جنيه للدولار الواحد) في ظل حرب فوائد بدأها البنك الفيديرالي في واشنطن، ثم شملت العالَمَ كلَّه تقريباً. وساهم ذلك في خروج استثمارات أجنبية اضطر معها «المركزي» إلى رفع تدريجي للفوائد حتى وصلت إلى معدل 25% على سندات الدين المصرفي. وفي سياق تفاعل هذه التطورات مع ارتفاع الأسعار العالمية، اتسعت «الفجوة الدولارية» وتجاوز التضخم نسبة الـ 20%، وهو رقم قياسي انعكس سلباً على معيشة المصريين ومسيرة اقتصادهم. 
وهكذا ودع المصريون سنة 2022 بمؤشرات سلبية. لكن في بداية السنة الجديدة، ولمواجهة أزمة «الدولرة»، أصدر رئيس الحكومة مصطفى مدبولي قراراً بترشيد الإنفاق وتأجيل بعض المشاريع القومية التي لها مكون «دولاري». وبدأ البنك المركزي تنفيذ إجراءات تضمّنت أكثر من 15 قراراً استطاع من خلالها تضييق «الفجوة» بين أسعار الصرف الرسمية وأسعار السوق الموازية، وتم رفع نسبة العمولة علي السحب النقدي للدولار والمشتريات خارج مصر من 3 إلى 10%. وبما أنه يتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 25% خلال النصف الأول من العام الحالي، يرتقب أن يستكمل «المركزي» دورةَ التشديد النقدي حتى نهاية العام، تمهيداً لتحقيق هدفه بالوصول إلى معدل 7% بنهاية 2024. 
ومع استمرار الاختلاف بين الخبراء الاقتصاديين حول ما إذا كانت البورصة هي «مرآة الاقتصاد»، فإن هناك توافقاً على أنها «مرآة للمستثمرين»، وتعكس أداء الشركات المسجلة وتوقعات نشاطها. وفي هذا السياق، يمكن قراءة التطور الذي شهدته البورصة المصرية في الأسبوع الأول من العام الحالي، حيث بلغ حجم التداول 3.1 مليار جنيه (114 مليون دولار) شملت 205 شركات، وبلغت حصة المصريين 85% مقابل 4.5% للأجانب و10.5% للمستثمرين العرب. وتجاوز رأس المال السوقي للشركات تريليون جنيه (نحو 37 مليار دولار) وهو رقم قياسي في تاريخها. 
ومن الطبيعي أن يتضاعف نشاط البورصة، وتتضاعف كذلك حصة المستثمرين العرب، خلال تنفيذ «وثيقة سياسة ملكية الدولة»، حيث يرتقب أن يرتفع عدد الشركات الجديدة التي ستطرح أسهمَها بالتداول أكثر من 23 شركة، وتنتظر القاهرة تدفق أكثر من 20 مليار دولار من الاستثمارات الخليجية، في سياق ضخ استثمارات جديدة للقطاع الخاص عبر دخول مستثمر استراتيجي، أو زيادة مشاركة في هيكل الملكية، وعقود الامتيازات، إلى جانب عمليات إعادة هيكلة المؤسسات العامة وخصخصتها. مع الإشارة إلى أن «الوثيقة» تستهدف بالأساس رفع معدل الاستثمار إلى 30%، ليُسهم في تحقيق نمو اقتصادي بين 7% و9%، وبما يساعد في رفع مساهمته الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي، مع التركيز على التسعير السليم، لضمان كفاءة تخصيص الموارد. وهو ركن من أركان السياسات «النيوليبرالية»، ومضمونه أن تعكس الأسعارُ القيمةَ الحقيقيةَ للسلعة، إضافةً إلى توفير الحوافز لجذب المستثمرين الأجانب، خصوصاً العرب والخليجيين. 

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية