شكّل «جيل دلوز» حالة حيوية في الفلسفة المعاصرة، بوصفه فيلسوفاً خرج من كلاسيكيات التعريف الفلسفي أو منهاجه. لم يشرع بابتكار سؤالٍ فلسفي في البداية، بقدر ما سأل: ما هي الفلسفة؟، متوصلاً إلى تعريفه الذي سيرسم عبره خطوط فلسفته، إذ ليس لها بناء بالمعنى الاعتيادي لدى الفلاسفة الآخرين. فهي بالنسبة إليه: «إبداع المفاهيم»، فابتداع المفهوم هو مهمة الفيلسوف.
بمعنى آخر: «لم تعد الفلسفة معرفة المبادئ الأولى، ذلك التعريف الإغريقي الأرسطي، الذي لم تزحزحه أعتى ثورات العقل وانعطافاته الكبرى، حتى كانط لم يبارح هذه الترسيمة، وإن اصطلح عليها بتسمية أحدث: نقد العقل الخالص، فقد يتضمن إبداع المفاهيم بما يشبه الممارسة الفعلية للعقل الخالص، لكنه مع ذلك يحمل هذه الممارسة إلى ما لا ينتظره العقل الخالص من ذاته، ولا تعد به جاهزيته أصلاً، هذا التعريف الذي يزعزع كذلك من مواصفات كل تعريف منطقي، ينقل الفلسفة من طوبائية (البحث عن الحقيقة) إلى حيّز أدوات البحث، إذ إن المفاهيم لم تكن مفرداتٍ للحقيقة، بقدر ما تصير أدواتٍ أو مفاتيح تتعامل مع أجواء الحقيقة». 
ولأن الفلسفة هي إبداع المفاهيم، فإن الفيلسوف بالنسبة لدلوز هو «صديق المفاهيم» ولم يقصد «دلوز» تحديد الفيلسوف بمهمة، فهو عدوّ لرسم المهمات، وحدّ المناهج، وإنما عنى بذلك كشف مجالٍ للفيلسوف يمكنه عبرها اختراق الحدود القديمة، ونزع العباءة المتشاكلة بوراثةٍ قديمة، ويشرح لنا بشكلٍ أوضح: «إن الفيلسوف صديق المفاهيم، إنه بالقوة مفهوم، مفاد هذا أن الفلسفة ليست مجرد فن تشكيل وابتكار وصنع المفاهيم، ذلك لأن المفاهيم ليست بالضرورة أشكالاً أو اكتشافاتٍ أو مواد مصنوعة. إن الفلسفة بتدقيق أكبر هي الحقل المعرفي القائم على إبداع المفاهيم، فهل يمكن للصديق أن يغدو صديق إبداعاته الخاصة؟ أم إن فعل المفهوم هو الذي يحيل على قوة الصديق داخل وحدة المبدع ونظيره المضاعف؟ فإن إبداع مفاهيم دائمة الجدة هو موضوع الفلسفة». 

والمفهوم بالنسبة لدلوز هو: «فرادة بقدر ما هو كثرة، وهو يقول الحدث بقدر ما هو حدث، لذلك كله فالمبدأ في منطق دلوز سواء تعلق الأمر بمنطق المعنى، أم بمنطق الحس ليس الواحد بل الكثير والمتعدد، أي ما لا ينفك يتكثر ويتغير، من غير ما رجوع إلى مرجع واحد تمارس باسمه إمبريالية المعنى، بهذا المعنى كل عمليات الكثرات والتذويت والتجريد والعقلنة التي تجري في الذهن، إنما توجد داخل الكثرات المحايثة والمتغيرة التي تنتمي إليها وليس خارجها».
* كاتب سعودي