كانت لجنة التحقيق التي اختارها الكونجرس للتحقيق في هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول الأميركي، والتي عقدت اجتماعَها العامَّ الأخيرَ يوم الاثنين الماضي، من نواحٍ عديدة، بمثابة جهد تشريعي رائد. فقد رفعت نتائجَها الباهرةَ معاييرَ عروض جلسات الاستماع، حيث أنتجت تحقيقاتُها كمياتٍ كبيرةً من الأدلة التي تورِّط الرئيس السابق دونالد ترامب وحلفاءه، وقد ركزت اهتمام وسائل الإعلام على المتورطين في هذه القضية. وكان تصويتُها لإحالة ترامب إلى وزارة العدل ليواجه احتمالَ الملاحقة القضائية، بسبب التحريض على العصيان والجرائم الفيدرالية الأخرى، توصيتاً تاريخياً، إذ لأول مرة يحث الكونجرس على الملاحقة الجنائية ضد رئيس أميركي سابق أو حالي.
لكن قد يكون الإرث الأكثر ديمومةً للّجنة هو قصتُها، فبعد كل هذا الوقت لا يزال من الصادم سماعُ تفاصيلَ محاولة إلغاء الانتخابات الرئاسية لعام 2020، والتي بلغت ذروتَها في حشد عصابة تشق طريقَها إلى مبنى الكابيتول الأميركي.
لقد أنشأت لجنة 6 يناير قصةً ملحميةً بدأت من ادعاء الرئيس السابق بأنه فاز بالفعل في ليلة الانتخابات، إلى الصراخ في المكتب البيضاوي بسبب مزاعم كاذبة حول تزوير الانتخابات، لعدم استجابة ترامب، مع بدء أعمال الشغب في الكابيتول.
لا نعرف ماذا سيقول التاريخ عن هذه الفترة من السياسة الأميركية. لكن يبدو أن وثائق السادس من يناير هي نوع من الأدلة التي يستند إليها التاريخ. وبهذا المعنى، كانت جلسات الاستماع تذكّرنا بجهود أخرى جديرة بالملاحظة، مثل لجنة ووترجيت في مجلس الشيوخ أو جلسات استماع مكارثي في عام 1954 (سلسلة من جلسات الاستماع المتلفزة التي عقدتها لجنة التحقيقات الفرعية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي للتحقيق في الاتهامات المتضاربة بين جيش الولايات المتحدة والسناتور الأميركي جوزيف مكارثي)، كما تقول جوان فريمان، أستاذة التاريخ الأميركي في جامعة ييل ومؤلفة كتاب «حقل الدم: العنف في الكونجرس والطريق إلى الحرب الأهلية». وتضيف فريمان: «ما يتردد مراراً وتكراراً في هذه اللحظات العامة.. هو إذا كانت هناك طريقة للحصول على اكتساح واسع للجمهور لمعرفة ما يحدث، والتفكير فيما يحدث، ومشاهدة بعض الأشخاص يقفون ويقولون: (هذا تجاوز الحد)، فإن هذا مهم حقاً».
ومع ذلك، كان التصويت على التوصية بأن يقوم المدعي العام ميريك جارلاند بمحاكمة ترامب هو نقطة النهاية المؤكدة لعمل لجنة 6 يناير. والتهم المحتملة المدرجة هي التحريض على التمرد والتآمر للاحتيال على الولايات المتحدة وعرقلة عمل الكونجرس والتآمر للإدلاء ببيان كاذب.
كما أشارت اللجنة إلى احتمال محاكمة خمسة من حلفاء ترامب: رئيس الأركان مارك ميدوز، والمحامين رودولف جولياني وجون إيستمان وجيفري كلارك وكينيث تشيسبرو.
وتعتقد اللجنة أن هناك دليلاً على أن ترامب ارتكب جرائمَ خطيرةً، وإذا وافقت وزارة العدل فيمكن توجيه الاتهام إليه مثل الأميركيين الآخرين، كما قال النائب آدم شيف («ديمقراطي» عن كاليفورنيا)، في مقابلة مع الصحفيين بعد جلسة الاستماع. وأضاف شيف: «لا ينبغي لأحد أن يحصل على تجاوز. واليوم الذي نبدأ فيه في منح تجاوزات لرؤساء أو رؤساء سابقين أو أشخاص في السلطة.. هو اليوم الذي يمكننا أن نقول فيه إن هذا كان بداية النهاية لديمقراطيتنا».
ومن ناحية أخرى، تجري وزارة العدل تحقيقاً موازياً خاصاً بها حول أحداث 6 يناير 2021. وقد تولى جاك سميث، المستشار الخاص المعين حديثاً، هذا التحقيق الذي يتعلق بمسؤولين رفيعي المستوى. غير أن جدوله الزمني غير معروف، وربما لا يتم إصدار أي لائحة اتهام إلا بعد أشهر.
ويقول ستانلي براند، المستشار العام السابق لمجلس النواب الأميركي والذي مثّل مكتبه القانوني مسؤولي إدارة ترامب، إنه يعتقد بأن إجراءات اللجنة تثير تساؤلات حول الحياد. فقد تسمح لأهداف النيابة العامة المحتملة بطلب الأدلة التي يعتقدون أنها تبرئة من اللجنة. وأضاف: «من وجهة نظر الفصل بين السلطات، تجاوزت اللجنةُ الحدودَ السابقةَ لسلطة الكونجرس، لا سيما من خلال الخوض في هذا المجال الكامل لما يسمى بالإحالات الجنائية، والتي ليس لها تأثير قانوني ملزم، والتي تشوه أي إجراء لاحق لوزارة العدل».
وتقول سارة بيندر، أستاذة العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، إن التركيز على ترامب في جلسة الاستماع العامة الأخيرة حول 6 يناير قد أظهر بالتأكيد صورةً رسمتها اللجنةُ عن الرئيس السابق كمركز لما يسمى بجهد «أوقفوا السرقة». وتضيف أن الغرض من جلسات الاستماع يبدو دائماً أنه ليس فقط المساءلةَ القانونيةَ، ولكن المساءلة السياسية أيضاً. وبهذا المعنى، يمكن النظر إلى عملها على نطاق أوسع على أنه محاولة لفهم الشبكة التي شاركت في محاولة إلغاء انتخابات 2020.
ويركز عمل اللجنة أيضاً على الطرق التي لا تعد ولا تحصى التي بدا أنه تلقى من خلالها المساعدةَ والتحريض من قبل أعضاء الكونجرس، من خلال صلات بهذه الجماعات القومية البيضاء واتصالات حملته، وحول مسألة الأمن في مبنى الكابيتول، وما الخطأ الذي حدث هناك، بحسب ما قالت.
الشيء الوحيد الذي لم تقدِّمه اللجنةُ هو وجود مسدس دخان كدليل واضح على ارتكاب مخالفة لخصت المؤامرة. في تحقيق ووترجيت، على سبيل المثال، فإن الشريط الذي أفرج عنه البيت الأبيض والذي أظهر الرئيس ريتشارد نيكسون ورئيس أركانه وهما يعترفان بأنهما حاولا منع تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي في عملية ووترجيت، أثبت أن نيكسون كان يكذب منذ فترة طويلة على الجمهور الأميركي.
لكن ما فعلته اللجنة هو جمع كمية كبيرة من المقابلات ورسائل البريد الإلكتروني والنصوص والوثائق، وتقديمها في سرد يسهل فهمه.
تقول باربرا بيري، مديرة الدراسات الرئاسية في مركز ميلر بجامعة فيرجينيا: «لقد كشفوا عن المحادثات التي جرت وراء الكواليس ووضعوها في الصورة الكبيرة».

بيتر جرير
صحفي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»