نُشرت خلاصةُ دراسة حديثة في بعض المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، وقد تناقلها الكثيرون، لنتائج مسح حول المشاعر السلبية في «مؤشر الشعوب الغاضبة» لعام 2022، الصادر عن شركة الأبحاث العالمية «غالوب»، والذي يبرز في تصنيفه المجتمعات الأكثر غضباً في العالَم. واعتمدت الدراسةُ على خمسة مؤشرات هي: التوتر، الحزن، الغضب، القلق، والألم النفسي. وشمل الاستطلاع أكثر من 100 دولة، وقد احتل لبنانُ المركزَ الأولَ عالمياً وعربياً بلا منازع، بينما جاء العراقُ في المركز الرابع عالمياً والثاني عربياً. ويأتي الاستطلاع الذي استندت إليه الدراسة في ظل ظروف اقتصادية وسياسية صعبة يمر بها الشعب اللبناني منذ عدة أعوام، من توتر وقلق وتضخم وإفلاس وتقلص قياسي في الموارد والإيرادات.
وتعود أسباب الشعور بالقلق والغضب لدى العراقيين إلى الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعيشها بلاد الرافدين، شأنها شأن العديد من البلاد العربية الأخرى بعد ما سمي بـ«الربيع العربي»، وانتشار الروح الطائفية والمذهبية وتزايد الاغتيالات، إضافة إلى الفقر وتردي الخدمات وسوء الإدارة وتفشي الفساد وتزايد التضخم.. والتراجع الاقتصادي بشكل عام.
وكانت بعض العواصم العربية في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وخاصة العاصمتين بغداد وبيروت، من المدن الأكثر ازدهاراً وتألقاً ورخاءً، والأكثر ثقافة وتطوراً في مجالات العمران والتعليم والصحة. كان البلدان يصدِّران الخضروات والفواكه والسلع الصناعية الجيدة، فضلا عن الأيدي العاملة الماهرة والأدمغة العلمية المتفوقة. وكان يقصدها السائح والزائر والتاجر والمستثمر على حد سواء، حتى كانت مضرباً للمثل في التطور والرقي والأمان. وكان أهل الخليج العربي يذهبون إلى بيروت وبغداد في أجمل أوقاتهم، سواء لقضاء شهر العسل أو لتمضية الإجازة الصيفية.. وذلك قبل الشغف بباريس وجنيف ولندن. وكان الرجل الخليجي يَعِد ابنَه التلميذ إذا ما نجح في الثانوية العامة متفوقاً أن يرسله إلى بغداد أو بيروت لقضاء إجازة الصيف هناك، تقديراً وتكريماً لما بذله من جهد وما أظهره من اجتهاد ومثابرة، ولما لهتين العاصمتين من سمعة سياحية طيبة في تلك المرحلة المزدهرة من تاريخهما. وكانت أمنية للسائح الخليجي والعربي، بل وحتى بعض مواطني الدول الأجنبية، ما تمتلكه تينك العاصمتين العربيتين من نظافة شوارع وأمكنة سياحية جاذبة وأمن وأمان ورخاء وازدهار، فضلا عن التطور الذي حققتاه في مجالات الزراعة والصناعة والصحة والتعليم.. وذلك بالطبع قبل الازدهار الهائل وغير المسبوق الذي حققته دول الخليج العربية في كل المجالات.
أما اليوم، وللأسف الشديد، فكلما أُجريت دراسة عن أحوال الشعوب القلقة والغاضبة والمتشائمة، تظهر في مقدمة القائمة بعض العواصم العربية ويشار إلها بأنها الأقل أمناً وأماناً، والأكثر اضطراباً وفقراً وفساداً.. فما الذي حل بهذه البلدان العربية الجميلة؟ ولماذا تراجعت على هذا النحو المخيف، حتى بدأ أبناؤها يهجرونها بسبب غياب الأمن وانعدام العدالة وانتشار الأوبئة والأمراض وغياب سلطة القانون والنظام؟!
إن الحقد الطائفي والكراهية المذهبية وسياسات الانتقام والاجتثاث.. لا تبني الدول والبلدان، بل تهدم الأوطان وتدمر الحضارات، ولو كان لها تاريخ طويل وعريق وضارب بجذوره في الزمن! 

*كاتب سعودي