في هذه المناسبة العزيزة على نفس كل عربي، وهي عيد اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، عادت بِي الذاكرة إلى أكثر من نصف قرن مضى، وكنتُ آنذاك شاباً أتم دراستَه الجامعية الأولى ومرَّ في طفولته بالتجربة الرائدة للوحدة المصرية السورية أملا في مستقبل عربي أفضل وإحباطاً من تفككها، ثم بالهزيمة القاسية عام 1967، وكانت الأنباء تتوالى عن محاولة وحدوية عربية جديدة يقودها بحماس زعيم كانت الأنظار قد بدأت تلتفت إليه، بموقفه العروبي الرائد من الهزيمة.. وتساءلتُ بيني وبين نفسي: أيفعلها هذا الزعيم وينجح فيما فشل فيه الآخرون؟ وأعترفُ أني لم أكن متفائلًا آنذاك، فلم يقتصر الإحباط على تفكك الوحدة المصرية السورية وإنما امتد إلى كافة محاولات الوحدة التي تلتها، لكن «زايد» فعلها، وتمكن بفطرته السليمة من التوصل إلى مفتاح نجاح التجارب الوحدوية، وكأنه قرأ أدبيات التكامل والاندماج الدولي وفهم دروسها واستفاد من خبراتها كافة. وهكذا جاءت تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً لتجربة وحدوية ناجحة، بعد أن وضع القائد مع أشقائه من حكام الإمارات الأسس السليمة لبناء التجربة، وهي المشاركة والتوازن بين مصالح مكونات الوحدة والمصالح العليا لدولتها. وهكذا بُنيت التجربة على أسس سليمة، فدامت ودخلت باقتدار خمسينيتَها الثانية بأقدام راسخة.
وتشاء الأقدار أن تمر هذه الدولة الوليدة بعد أقل من سنتين على نشأتها بامتحان الأمن القومي العربي العسير في أكتوبر 1973، فإذا بها تقف في صدارة الداعمين لهذا الأمن، ليكون ذلك مؤشراً لسياسة خارجية فعالة سوف يُقَدَّر لها أن تتطور باطراد مع تعاظم إمكانات الدولة الوليدة فتصبح هذه السياسة نموذجاً يتحدى الأدبيات النظرية الخاصة بالسياسة الخارجية للدول الناهضة، إذ كشفت السياسة الخارجية لدولة الإمارات عن قرارات ومواقف أثبتت استقلاليتها وفاعليتها انطلاقاً من رؤية وطنية خالصة، كما يبدو واضحاً من الحضور الإماراتي الفاعل في القضايا العربية والإقليمية والدولية. ولا يقتصر هذا الحضور على البعد السياسي فحسب، وإنما اختطت الإمارات لنفسها منذ التأسيس سياسة فاعلة للمساعدات التنموية وضعتها ضمن الدول المتصدرة لقائمة البلدان المانحة. 

وفي تصريح لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في أغسطس 2021، بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني، ذكر أن الإمارات قدمت أكثر من 320 مليار درهم منذ تأسيسها، وهو ما جعلها ضمن الدول التي حققت أعلى نسبة مساعدات تنموية من دخلها القومي. واللافت في هذه المساعدات أمران؛ شمولها الجغرافي مع مراعاة اعتبارات العدالة، وشمولها الموضوعي.. إذ تمتد المساعدات التنموية الإماراتية إلى معظم دول العالم، لكن أفريقيا وآسيا تحظيان بالنصيب الأعظم منها بحوالي 50٪‏ لأفريقيا و40٪‏ لآسيا. أما موضوعيًّا فإن هذه المساعدات تغطي مدىً واسعاً من المجالات، كالصحة والتعليم والغذاء والمشروعات التنموية عامة، ناهيك بالمساعدات المقدمة للمنظمات الدولية كدعم الإمارات لخطة التنمية المستدامة التي وضعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي بلغت قيمتها 30 مليار دولار بين سنتي 2016 و2020.
كذلك يُلاحظ تركيز المساعدات الإماراتية على البلدان العربية التي تشهد صراعات، وعلى مناطق الكوارث الإنسانية عامة. وخلال جائحة كورونا قدَّمت الإماراتُ ما يزيد عن 2250 طن مساعدات طبية لنحو 136 دولة، ناهيك بالمستشفيات الميدانية التي أنشأتها في البلدان التي عانت من أوضاع حرجة.
ومسك الختام في هذه الخواطر جهود الإمارات في مجال تعزيز الأخوّة الإنسانية التي بلغت ذروتها في عام 2019 بتوقيع الإمام الأكبر أحمد الطيب والبابا فرانسيس على وثيقة الأخوّة الإنسانية، فهنيئًا للإمارات والعرب والإنسانية بهذه المناسبة التاريخية العزيزة.

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة