يدعم بيتر حزب المحافظين منذ أن أصبح راشداً، وهو حالياً عضو في الحزب. وكضابط في الشرطة في لندن، يرى بيتر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل، تأثير السياسات الحكومية بشكل مباشر كل يوم.

غير أنه عندما سقطت الحكومة المحافظة في الفوضى خلال الأسابيع الأخيرة حول مستقبل بريطانيا الاقتصادي، تساءل بيتر، على غرار آخرين، بشأن الاتجاه الذي يسير فيه المحافظون. وهو يقول إن الحزب خذله بسبب الصراعات الداخلية وغياب الانسجام، ثم يوضح: «إنني أكره السياسةَ المتطرفةَ. يحاول الناس إصابة الهدف، لكنهم لا يستوعبون المغزى».

الشهران الماضيان في المملكة المتحدة مثّلاً حالة نموذجية لما يحدث حينما تتحول حكومة مركزية عن المسار، وكانت حتى ذاك الوقت منسجمة ومتناغمة مع ناخبيها، لكنها تميل فجأة وبدون سابق إشعار إلى أقصى اليمين. حين صوّتت البلاد في عام 2019، انتخبت حكومةً اختارت لنفسها مكاناً في الوسط اقتصادياً واجتماعياً، وإن كانت شعبوية. لكن تحولات حادة في السياسة من قبل ليز تراس التي أصبحت على نحو مريح الشخص الذي شغل منصب رئاسة الوزراء لأقصر وقت في التاريخ البريطاني، أدت إلى ما تبين لاحقاً أنها خسارة لا مفر منها للثقة من قبل كل من الأسواق والشعب.

والآن تحت قيادة رئيس وزراء جديد هو ريشي سوناك، يمتلك المحافظون فرصة لتجديد علاقتهم بالجمهور البريطاني. لكن خبراء، وكثير من البريطانيين أيضاً، يقولون إن النتيجة الأرجح قد لا تكون انسجاماً بين الحكومة والجمهور، وإنما مجرد فترة من الحكم الهادئ من دون أي خطوات خاطئة أو صراع داخلي من قبل المحافظين. ويقول بيتر في هذا السياق: «إنني موظف عام. وأريد أن أتقاضى راتباً محترما وحسب»، مضيفاً: «هناك سياسة، حيث عليك الإبقاء على بعض النزاهة الأخلاقية.

لكن إذا بلغ الأمر مستوى حيث أعتقد أن هؤلاء الأشخاص لا يمثّلونني، سأضطر ساعتها لمغادرة الحزب». حتى عام 2001، وعلى غرار معظم الديمقراطيات البرلمانية، كانت الأحزاب السياسية البريطانية تختار زعماءها، وبالتالي المرشح لمنصب رئيس الوزراء، من خلال تصويت لأعضاء البرلمان.

غير أنه في السنوات الأخيرة، جرّب كل من حزب المحافظين وحزب العمال منحَ أعضائهم الذين يدفعون الاشتراكات سلطةً أكبر. وهكذا، أصبح أعضاء البرلمان يختارون مرشحَيْن لمنصب الزعيم، على أن يعود الاختيار النهائي إلى الأعضاء. ويمثّل أعضاء حزب المحافظين الـ172 ألفاً الذين يحقّ لهم التصويت حوالي 2,3% من إجمالي الناخبين البريطانيين، ويميلون عموماً إلى أن يكونوا أكبر سناً وأغنى وأبيضَ من بقية السكان. ولئن منح الناخبون في الانتخابات التمهيدية دعمَهم لأفكار تراس التحررية، فإن بقية البلاد لم تحظَ بفرصةِ التعبير عن رأيها ولم توافق على ذلك، معدلات شعبيتها (أي تراس) انخفضت بشكل أسرع وإلى مستوى أدنى من معدلات شعبية أي زعيم سياسي بريطاني في تاريخ استطلاعات الرأي. وفي نهاية المطاف، فإن الميزانية الصغيرة غير الموفَّقة والمدفوعة بدوافع أيديولوجية، مع 45 مليار دولار من التخفيضات الضريبية غير المموَّلة للأغنياء (وهي الأكبر منذ 1972) هي التي أدت إلى انهيار الاقتصاد ومشوار رئيسة الوزراء السياسي. وفي هذا الصدد، تقول رينبو موراي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة كوين ماري في لندن: «لقد كانت أجندة نيوليبرالية جداً، وأعتقدُ أنه لم يكن لديها الوقت لكسب تأييد البلاد وعطفها»، مضيفةً: «حين تجد الأسواق أنك تميل إلى اليمين أكثر مما ينبغي، فاعلم أنك منطلق في اتجاه راديكالي». وأشار استطلاع أجرته صحيفة «فايننشال تايمز» لآراء علماء سياسة بريطانيين الشهر الماضي إلى أنه من أصل 275 حزباً في 61 بلداً، كان حزب المحافظين برئاسة تراس الأكثر ميلاً إلى اليمين من بين المجموعة، متفوقاً على الحزب الجمهوري الأميركي تحت قيادة الرئيس السابق دونالد ترامب، وحزب الرئيس البرازيلي اليميني الذي نُحي مؤخراً جائير بولسونارو. بل إنه على مقياس من 0 (الشيوعية الكاملة) إلى 10 (مستوى منخفض جداً من التقنين، وضرائب منخفضة، ومقاربة السوق الحر)، تمكنت رئيسة الوزراء السابقة من جرّ حزبها كثيراً إلى اليمين لدرجة أنها سجلت ما مجموعه 9,4. وعلى المقياس الاقتصادي نفسه انخفض معدل الناخب البريطاني إلى3,1 ومعدل الناخب المحافظ إلى 4,2. وعلى عكس أعضاء حزب المحافظين، كان شعور الجمهور يسير في الاتجاه المعاكس باطراد، إذ تحظى زيادة الضرائب من أجل دعم الخدمات العامة المتداعية بشعبية أكبر من خفض الضرائب لتحفيز النمو. كما تُظهر استطلاعات الرأي أن أكثر من 66% من الجمهور البريطاني، بما في ذلك 62% من الناخبين المحافظين، يؤيدون تأميم شركات الطاقة، بينما تؤيد أعداد مماثلة من الجمهور ملْكيةً عامة للمياه. ويدعم نصف البلاد تقريباً إضرابات العاملين في قطاع السكك الحديدية. ولو أُجريت انتخابات عامة غداً، فإن عدة قياديين في حزب المحافظين عبّروا صراحة عن مخاوفهم من إمكانية انهزام حزبهم كقوة انتخابية.

ويذكر هنا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن حزب العمال يمكن أن يحقق فوزاً كاسحاً يفوق ذاك الذي أوصل توني بلير إلى السلطة في عام 1997. بيتر، الذي صوّت لسوناك ضد تراس في انتخابات الحزب، يقول إن أفضل شيء يمكن فعله في الوقت الراهن هو شطب الستة أسابيع الماضية. ويضيف: «يجب أن نبدأ من جديد.. آمل ألا يبدو هذا انهزامياً، ولكن الحقيقة هي أنه ليس لدي خيار سوى أن أعلّق آمالي على ريشي. ليس هناك أحد آخر غيره. وهو يبدو بالفعل شخصاً آمناً».

* كاتبة صحفية مقيمة في بريطانيا. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»