تمر هذه الأيام خمسة عقود على نشوء وارتقاء العلاقات المصرية – الإماراتية. إنه اليوبيل الذهبي، إن جاز التعبير، لبدء العلاقات الدبلوماسية الرسمية. غير أن الحقيقة المؤكدة، أن تلك العلاقات قديمة جداً، وأبعد من هذا التاريخ، فقد حملت إصدارات المؤرخين رؤى عن تبادل المودات والخبرات بين أهل الكنانة، وسكان تلك الرقعة الذهبية من الصحراء على الخليج العربي منذ قرون طوال.

على أن التأريخ الحديث للإمارات في علاقتها مع مصر، يمكن القطع بأن زايد الخير، طيب الله ثراه، هو من وضع لبناته، وأرسى له، ومواقف الرجل تجاه مصر والمصريين، مكتوبة بحروف من نور في سجل الرجال الأماجد. خمسة عقود تمر هذه الأيام، وتقام لها الاحتفالات على ضفاف نهر النيل الخالد، حيث يلتقي الأخوة والأشقاء من المصريين والإماراتيين ليتذكروا سيرة ومسيرة الكبار الذين ضفروا وشائج تلك العلاقة، بتعاون صادق ومودات حقيقية، ظهرت بنوع خاص في لحظات مصيرية.

من يمكن أن ينسى أو يتناسى مقولة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في حرب أكتوبر: «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي»، وتالياً حين اضطربت الأمور في منطقة الخليج في أغسطس عام 1989، كيف أن مصر أرسلت أحد أهم ألوية قواتها الخاصة تضامناً مع دولة الإمارات العربية وتأييدها لموقفها.

وتبقى سردية المودات قائمة بمشاعر حقيقية، فحين واجهت مصر جحافل الظلام، وتالياً قدر لها في 30 يونيو من عام 2013 أن تنتفض لتتخلص من ذلك الإرث السيئ الذكر، كانت الإمارات في مقدمة الأشقاء الذين ساندوا مصر، وقدموا لها الدعم المعنوي قبل المادي، ويا لعظم المشهد في ذلك الوقت.

ما يجمع مصر والإمارات هو رؤى استراتيجية وليس خطوات تكتيكية، رؤى تعرف جيداً مقدار التحديات والمصاعب، بل لا نتجاوز الواقع لو قلنا المؤامرات التي تحاك للمنطقة، ضمن صراعات واستقطابات القوى العظمى، القائم منها والقادم على قدم المساواة. في هذا السياق، فإن القارئ لا تدهشه سردية التواصل الخلاق بين قادة البلدين، والجهود المبذولة من أجل حماية الأمن القومي العربي، والتصدي لمحاولات التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وزعزعة استقرارها. حين تأتي احتفالية اليوبيل الذهبي للعلاقات بين مصر والإمارات تحت عنوان «مصر والإمارات قلب واحد»، فإن الأمر يعبر عن حقيقة وليس مبالغة لغوية، سيما وأن قصص النجاح المشترك بين البلدين واسعة وعريضة، بما يضيق المسطح المتاح للكتابة عن الاستطراد فيه.

ولعل أنفع وأرفع ما يميز تلك العلاقات أنها تقوم على الاحترام المتبادل، والوعي بمتغيرات الأحداث في مواجهة نوازل العصر، كما أنها وهي تنظر للماضي بعين التمجيد، تسعى جاهدة لمد الجسور في طريق الأجيال القادمة، لتترك لهم إرثاً من النجاحات والمحبات القلبية، كما فعل الآباء المؤسسون، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وقادة الاتحاد الذين أجمعوا على موقع وموضع مصر في نفوسهم وعقولهم قبل قلوبهم، رحم الله الذين غادرونا منهم رحمة واسعة.

العلاقات الراسخة بين البلدين أثمرت شراكات نافعة للجانبين، ولعل أفضل ما يمكن به اختتام هذه الكلمات، هو ذلك التعبير الشعري الجميل..ما أجمل أن يجتمع الأخوة تحت سقف واحد.

* كاتب مصري