بعد استقالتها أثبتت «ليز تراس» بما لا يدع مجالاً للشك أنها غير مؤهلة لتولي المنصب مثلما كان منتقدوها قد حذّروا من ذلك حينما اختارها أعضاء حزب «المحافظين» قبل 44 يوماً على حساب «ريشي سوناك» لقيادة البلاد.

ولكن بينما يختار حزبها رابع رئيس للوزراء منذ استقالة ديفيد كامرون في أعقاب استفتاء بريكسيت، هل هناك أي أمل في أن يبلوا بلاء أفضل هذه المرة؟ المدافعون عن تراس حاولوا الاحتجاج بأن الخطوات الخاطئة التي ارتكبتها مبكراً إنما تعزى إلى رؤية اقتصادية طموحة لم توضَّح بشكل جيد، رؤية كان تنفيذها أخرق وتوقيتها غير مناسب.

ولكن ارتباكاً وفوضى من الإعلانات السياسية والاستقالات والاستقالات التي تم العدول عنها، كل ذلك في الـ24 ساعة الماضية، يشيان بوجود خلل ما في مقر رئاسة الوزراء البريطانية. فتراس فقدت وزيرة الداخلية سويلا برافرمان الأربعاء، ظاهرياً على خلفية خرق لقانون وزاري في استخدام بريدها الإلكتروني الخاص، ولكن من الواضح أن هناك أيضاً خلافاً بشأن السياسات المتعلقة بالهجرة.

ثم تلت ذلك فوضى في البرلمان على خلفية مقترح قانون من حزب «العمال» لفرض تصويت حول التكسير الهيدروليكي. ذلك أن أعضاء البرلمان المحافظين كانوا ممزَّقين بين دعم التزامهم الخاص في برنامجهم الانتخابي بحظر التكسير الهيدروليكي وأمرٍ حكومي بدعم هذا التحول في الموقف. وكانت هناك ادعاءات حول تعرض البعض للتنمر ومعاملة خشنة. وضمن هذه الفوضى، استقالت كبيرة منسقي الحزب ويندي مورتون ونائبها قبل أن يعدلا عنها. وحتى أولئك الذي يجسّدون عادة شعار زمن الحرب، «الزم الهدوء»، سقطوا في عدم التصديق واليأس. والواقع أن عواقب التشكيك في الخط الحزبي وحشية.

ولأدل على ذلك من المصير الذي لقيه سوناك، وهو من أنصار البريكسيت أصلاً، حيث تعرض للإقصاء والتهميش لأنه نبّه إلى مثالب وصفات تراتس الاقتصادية. ولذلك، فلا بد أن الأشخاص الذين يؤمنون بالسياسات الليبرالية الاقتصادية – بما في ذلك تقليص دور الحكومة وخفض الضرائب – يشعرون بالغضب، ذلك أنه بسبب سوء إدارة تراس، وُصفوا بأنهم ليبراليون راديكاليون، وسُخر من أفكارهم، ولم تُسمع أصواتهم، ربما لفترة جيل كامل. وإذا كانت هناك فرصة واحدة أخيرة للمحافظين، فلا شك أنها هذه.

فقد أعلنت تراس عن إجراء انتخابات قيادة جديدة في ظرف أسبوع، ما يشير إلى أن الحزب سيسعى إلى توحيد نفسه والتوافق حول مرشح وتفادي تقديم اختيار مرشحَيْن اثنين لأعضاء الحزب، مثلما تنص على ذلك قوانين الحزب في حال عدم وجود مرشح يقع عليه الإجماع. غير أن هذا وقت قصير للغاية لاختيار زعيم، وإن كان الحزب شهد تنافساً قبل أشهر فقط وبالتالي فإن المرشحين سبق لهم أن خضعوا لتدقيق وتحرٍّ من قبل.

معظم الرهانات توضع على سوناك – الذي ما زال أنصار جونسون يشعرون بالاستياء منه – وبيني موردونت، التي تحظى بشعبية بين أعضاء البرلمان والجمهور وتتميز بأداء برلماني قوي، ولكن تفتقر إلى تجربة حكومية كافية. أما هانت، فقد استبعد نفسه من المنصب الأعلى على ما يبدو ومن المتوقع أن يبقى وزيراً للمالية. غير أن متنافسين آخرين من الصيف، مثل برافرمان أو حتى بوريس الذي نُحي مؤخرا، قد يهددون بإطالة أمد هذا الوضع أكثر، وبالتالي ينبغي أن نتوقع بعض المفاوضات القوية خلال المقبل من الأيام.

والواقع أنه من الصعب عدم تقديم أداء أفضل من الأداء الحالي، ولكن أياً يكن الشخص الذي سيخلف تراس فإنه سيكون لديه وقت قصير جداً لاستعادة حس الكفاءة والانسجام ومهمة الحكم. ولا شك أن مهمته الأولى يجب أن تكون إعطاء النبرة المناسبة وتهييء الجو للفريق. وهذا ينبغي أن يعني التخلي أخيراً عن التفكير التبسيطي الذي أدى إلى الطريق الأيديولوجي المسدود الذي عرفته بريطانيا خلال السنوات الأخيرة. ولكي يكون ناجحاً من جديد، يحتاج الحزب لمزيد من الحوار بين أجنحته المختلفة ورؤية ذلك يمثَّل في الحكومة. ولئن كان خفض عبء الضرائب ينبغي أن يبقى مخططاً للمستقبل، حينما تسمح المالية العامة بذلك، فإن الحكومة ستحتاج إلى أن تكون مبتكِرة بشأن طرق تشجيع الاستثمار والنمو.

وهذا يفترض أن يعني نقاشاً مفتوحاً حول الهجرة، بالنظر إلى سوق العمل البريطاني الضيق، وحل التوترات مع أوروبا حول ايرلندا الشمالية حتى تتسنى إعادة بناء علاقات تجارة وتعاون أوثق. فالتعاطي مع واقع البريكسيت يعني الاعتراف على الأقل بكلفته الاقتصادية.

وختاماً، قد تكون لدى رئيس الوزراء المقبل مدة أطول من أيام تراس الـ44 يوماً ويزيد – أقصر فترة حكم في التاريخ البريطاني – لترك بصمته على الأمور. غير أنه إذا لم يستطع المحافظون تقديم رؤية قوية ومقنعة لما يمثلونه ويرمزون له، فلا شك أن الناخبين لن يساندوهم في الانتخابات المقبلة.

*كاتبة وصحفية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»