اختتمت الحركة المعروفة باسم «المحافظة القومية» للتو أحدثَ مؤتمراتها في فلوريدا. وتعد هذه الحركة المحاولة الرئيسية الثالثة لحل معضلة السياسة المركزية للحزب الجمهوري في القرن الحادي والعشرين. فكيف يتكيف حزب يمثل تاريخياً الأثرياءَ والشركاتِ الكبرى مع عالم لا يمثل فيه أنصار التيار المحافظ الطبقة الوسطى فحسب، بل ذوي الياقات الزرقاء، والطبقات الدنيا والذين خاب أملهم في الاقتصاد الأميركي الحديث؟
وتعود المحاولة الأولى للتكيف إلى عهد جورج بوش الابن. فقد تمثلت شعاراتُه في «المحافظة المتعاطفة» و«مجتمع الملكية»، وضخت سياساتُه إنفاقاً جديداً في التعليم والرعاية الصحية، ودعمت برامجَ مكافحة الفقر، وقدّمت ائتماناً ميسراً لأصحاب المنازل الجدد. وقُصد بكل هذا نظرياً تعزيز الاكتفاء الذاتي بدلا من التبعية، وبناء بديل محافظ لدولة الرفاهية الليبرالية. وبعد أن شعرت سياسات بوش بوطأة فقاعة الإسكان والأزمة المالية، حلت ساعة التكيف الثاني. وتمثَّل هذا فيما يسمى بـ«المحافظة الإصلاحية« وصورت نفسها (وكنت أحد الذين تصوروا) على أنها أكثر عملية من توجه بوش، وطرحت مجموعة إصلاحات تكنوقراطية لزيادة الحراك الاقتصادي وتحسين حياة الطبقة الوسطى، وخاصةً الحياة الأسرية للطبقة الوسطى، دون تفاقم في الموازنة الاتحادية. 
وهذا التوجه الإصلاحي الواعي بالميزانية كان على وشك التأثير في توجهات الحزب قبل أن يزايد عليه ويحتويه ويعصف به دونالد ترامب. فقد تحرك ترامب إلى يمين الإصلاحيين المحافظين في بعض القضايا. وقد أراد التوجه الإصلاحي المحافظ التركيز على سياسة الهجرة القائمة على المهارات، لكن ترامب وعد ببناء جدار على الفور. وتحرك ترامب نحو يسار آخرين منهم. فقد أراد المحافظون الإصلاحيون تقديم إعانات على أساس فحص الموارد، وترامب وعد بحماية هذه الإعانات. وأكد ترامب على قضايا مثل التجارة والسياسة الصناعية التي حظيت باهتمام أقل من الإصلاحيين. 
وتمثل المحافظة القومية النسخة الكاملة من هذا الجهد. فطموحها أكبر من الناحية الفلسفية من سابقاتها، أي من المحافظة المتعاطفة والمحافظة الإصلاحية. لكن من ناحية السياسة، لم يتغير السؤال الأساسي منذ عهد بوش وهو: كيف يمثل الحزب الجمهوري الذي مازال حزب الأسواق الحرة والخفض الضريبي، عناصره من الطبقة العاملة ويدعمها؟ 
وعموما، تمثلت إجابة المحافظة القومية في الجمع بين تركيز ترامب على التجارة والسياسة الصناعية مع تركيز المحافظة الإصلاحية على سياسة الأسرة، إلى جانب إضافة بعض الميل نحو مكافحة الاحتكار أيضاً. إنها رؤية تدعم فيها الحوكمة المحافظة وظائف ذوي الياقات الزرقاء من أصحاب المهارات والصناعة المحلية وأولياء أمور الأطفال الصغار، مع السعي لإضعاف قوة أصحاب التعليم الراقي في رابطة اللبلاب وفي وادي السيلكون. 
وقوة هذه الرؤية أشد في جلسات المؤتمرات عما تظهر عليه في الكونجرس. لكنها اتخذت أشكالا تشريعية محددة. فقد ظهرت في صورة اقتراحين حديثين من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين: الأول؛ من توم كوتون من أركنساس، وهو يعد بإصلاح تعليم القوى العاملة ودعم أصحاب الحِرف من ذوي الياقات الزرقاء، حيث يقدم دعماً بقيمة 9000 دولار لتشجيع خريجي المدارس الثانوية على التدريب في الحرف، بدلا من الالتحاق بالتعليم الجامعي. والثاني، من ماركو روبيو من فلوريدا، وهو تحديث لمقترحاته السابقة لسياسة الأسرة. ويضع روبيو مقترحَه هذه المرة في إطار برنامج يناهض الإجهاض ويقترح منحَ رصيد ضريبي أكبر للأطفال ورصيد ضريبي للتبني إلى جانب برامج كثيرة تستهدف دعم الأمهات الجدد.
وبالنسبة للوضع السياسي الراهن، وكما هو الحال بالنسبة للمحافظة التي تخفض فحسب ضرائبَ أرباح رأس المال، فإن مركب سياسة الصناعة والأسرة أمر مرغوب فيه بشكل كبير. لكن بعد أن عشت عدة دورات من محاولات إعادة الاصطفاف في السياسة اليمينية، لدي إحساس بالتحديات التي تجعل هذه المشروعات تتعثر. والتحدي الأول هو أنه نظراً لأن الديمقراطيين على استعداد دوماً للإنفاق أكثر من الجمهوريين، فكلما هيمنت قضية ما على النقاش العام، يكون هناك ميل لمزايدة اليسار على المصلحين المحافظين المحتملين. وحدث هذا بالفعل إلى حد ما في السياسة الصناعية والأسرية. فقد حاول ديمقراطيو إدارة بايدن تبني كلتا القضيتين، تاركين للجمهوريين الشعبويين إما لعب دور الشركاء الأصغر في الصفقات بين الحزبين أو الجدال حول شكل السياسة، أي مناقشة التفاصيل. 
هذا وحده ليس مشكلة قاتلة، فالشراكة بين الحزبين لها مكانها، والهدف من تغيير السياسة الاقتصادية للحزب الجمهوري ليس مجرد التفوق على الديمقراطيين. بل وضع سياسة أفضل مع تقليص ميزة الديمقراطيين إلى أدنى حد حين يتعلق الأمر بأسس عمل السياسة، ومكافأة الناخبين. وفي عصر القيود التي يفرضها التضخم، على وجه الخصوص، فالرغبة في فعل شيء يشبه ما يفعله الديمقراطيون لكن بذكاء أكبر وكلفة أقل ودون أعباء الثقافة التقدمية، وهو طموح سياسي معقول تماماً ورسالة سياسية قوية. 
وكان من المفترض أن يغير صعودُ ترامب كلَّ شيء، ويكشف عن الإفلاس التام لإجماع السياسة الحالي، والحاجة إلى نزعة محافظة تفكر أكبر من الائتمانات الضريبية والتعديلات ذات الصلة. وهذا الطموح يصطدم بالتحدي الثاني الذي يواجه المحافظين القوميين وهو حقيقة أن التضخم، إذا استمر، سيجبر صانعي السياسة الطموحين على اتخاذ خيارات صعبة. وبالنسبة للمحافظين فإن هذه الخيارات مقيدة بكراهية اليمين لزيادة الضرائب على الأغنياء. 
وهناك استثناءات لهذا المحظور، وكوتون وروبيو يستغلان هذه الاستثناءات. من الممكن فرض ضرائب على الأغنياء إذا كانوا يمثلون مؤسسات ليبرالية ثرية، ولذا يمول كوتون كلفةَ تدريبه المهني جزئياً بضريبة على مخصصات الكليات الخاصة الثرية. ومن الممكن فرض ضرائب على الطبقة العليا بتقليص الإعفاءات الضريبية الخاصة بهم، وهكذا يمول روبيو بعضَ سياساته الخاصة بالأسرة من خلال إنهاء خصم الضرائب الحكومية والمحلية، وهي سياسة تفيد بشكل خاص أصحابَ الدخل المرتفع في الولايات التي يغلب عليها الديمقراطيون. وهذان النهجان يمثلان سياسات جيدة. فأغنى جامعاتنا تستحق فرض الضرائب عليها. لكنها سياسات مقيِّدة لذاتها ومناسبة تماماً لقائمة أولويات تكنوقراطية متواضعة، وليست نوعاً من الإنفاق الكاسح على السياسة الصناعية كما وعد ستيف بانون ذات مرة بأن ترمب سيقدمه. وليست أيضاً سياسة أسرية أكثر سخاءً قد تعزز معدل المواليد الأميركيين، أو مساعدة الحركة المناهضة للإجهاض على تحقيق طموحاتها النهائية. ونزعة التقييد الذاتي مفهومة، لكنها تشير إلى مستقبل تسمح فيه المحافَظة القومية لنفسها بإعادة احتوائها فعلياً في التيار السائد للحزب الجمهوري دون تحقيق ثورتها. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»


Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/09/21/opinion/republicans-national-conservatives-policy.html