يركِّز الطب الدقيق، المعروف أيضًا بالطب الشخصي، على تحديد الأساليب الطبية الوقائية والعلاجية الفعَّالة، وتوقُّعها، بناءً على العوامل الجينية والبيئية، ونمط الحياة لدى المريض. وبالرَّغم من أن تفسير بعض التنوُّعات الجينية ذات الصلة الإكلينيكية لا يزال يمثل تحديًا؛ فقد شملت الاختبارات الجينومية في الممارسات العملية الحالية: تحليل تأثُّر جينوم الورم بالعلاج المستهدَف، والفحص غير الجراحي قبل الولادة، والاختبارات الجينية للطفولة والاضطرابات النادرة، التي قد يؤدي التأخر في تشخيصها إلى أضرار لا يمكن تداركها في مراحل لاحقة؛ وحتى الآن يمثلُ فحص حديثي الولادة بحثًا عن حالات وراثية يمكن علاجها أنجحَ تطبيق جيني بشري في الصحة العامة.
وتوقَّع الباحثون أن فحص السكان لتحديد الأفراد الذين لديهم متغيِّرات جينية ذات مخاطر عالية سوف يكون ممكنًا بطريقة مماثلة لفحص حديثي الولادة؛ ما سوف يسهم في تقليل معاناة المريض وأسرته، وانخفاض النفقات العامة في التكلفتين الاجتماعية والاقتصادية للمرض؛ ولهذا بادرت كثير من الحكومات منذ عام 2015 إلى إنشاء مبادرات ومشروعات وطنية لدعم البحوث الطبية والجزيئية الحيوية؛ لتحويل الآمال المعقودة على الطب الدقيق إلى حقيقة. وبالرَّغم من ذلك؛ فقد أثارت مبادرة الطب الدقيق مخاوف بشأن انتهاك الخصوصية بين الأفراد ووسائل الإعلام في بعض المجتمعات.

ولأن المرضى والجمهور يمثلون أولوية للطب الدقيق؛ فيُعتقَد أن هذه المخاوف سوف تمثل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق الآمال المرجوَّة من هذا الطب. ويكمن دور الجهات المنظّمة في توفير البرامج التي تهدف إلى رفع درجة الوعي والفهم، وتعزيز الثقة بالطب الدقيق لدى أفراد المجتمع والمرضى؛ إذ إن درجة انخراط المرضى في البحوث الطبية ستعتمد على مدى فهمهم المعلومات الصحية الخاصة بهم، والنتائج المتوقَّعة للفحص والعلاج.

ومن جانبٍ آخر تواجه منظمات البحوث الطبية صعوبة من نوع آخر في جذب اهتمام الجمهور، وتعزيز ثقتهم للمشاركة في جمع البيانات لتكوين الأدلة البحثية اللازمة للطب الدقيق. ولذلك وجب على الأطباء والباحثين التعاون في عملية الموافقة المستنيرة؛ من خلال الاستماع إلى مخاوف المتطوعين، وتقديم المعلومات الكافية، والحرص على حماية خصوصية البيانات، وتأكيد أنهم هم المحفِّز الأساسي على إنشاء الطب الدقيق.

وإضافةً إلى ذلك يُعَدُّ التعاون في مجال البحوث، ومشاركة القطاعات والمراكز الصحية في البيانات، أمرًا لا بدَّ منه لإنتاج البراهين والأدلة في الطب الدقيق؛ ولذلك ينبغي للمتطوعين -في أثناء عملية الموافقة- الحصول على المعلومات الكافية عن أهمية مشاركتهم معلوماتهم الشخصية، ونتائج فحوصهم، وتبادلها مع الجهات ذات الصلة على المستوى الشخصي، لمصلحة المجتمع. 

وبالرَّغم من العقبات التي ذُكِرت؛ فسوف نشهد في السنوات المقبلة مع تطوُّر التكنولوجيا الجزيئية الحيوية، والمعلومات الضخمة، عصرًا مملوءًا بالاكتشافات؛ إذ ستؤدي العديد من منصات اكتشاف الجينوم إلى مزيد من التبصُّر فيما يتعلق بمسبِّبات الأمراض؛ ما سيؤدي إلى المزيد من العلاج الفردي المستهدَف؛ وسيبقى التحدي الأكبر هو فكَّ التعقيدات المتعلقة بالمعلومات الضخمة التي ستنجم عن هذه الاكتشافات العلمية، ووضع قواعد ثابتة لتوجيه عملية صنع القرار في الرعاية الصحية.