تجمع محتجون بلغ عددهم نحو 5000 وكانوا ينقسمون بين أقصى اليمين واليسار، لكنهم اتحدوا في الغضب. ولوحوا بأعلام سلوفاكيا وألقوا باللوم على من أثقل كاهلهم بكلفة دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. والحشد الذي تجمع مساء الثلاثاء (20 سبتمبر) في براتيسلافا جاء كأول احتجاج مشترك لأحزاب المعارضة في سلوفاكيا منذ عامين. وهذا على الرغم من أنه لم يكن مجرد حدث منعزل في دولة أوروبية صغيرة على مرمى حجر من الحرب الدائرة. ففي جميع أنحاء القارة، تكسب الجماعات المتشددة زخماً سياسياً من التأثير الاقتصادي للصراع مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. وهناك بالفعل دلائل مبكرة ومثيرة للقلق تردد أصداء تداعيات الأزمة المالية العالمية التي كانت إيذاناً، في نهاية المطاف، برئاسة دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وتصويت بريطانيا على مغادرة الاتحاد الأوروبي (بريكسيت)، وصعود القيادات الشعبوية من البرازيل إلى بولندا والمجر. 

وبعد سبعة أشهر من هجوم روسيا على أوكرانيا، صعد القلق بشأن التضخم وانهيار مستويات المعيشة ببعض القوى السياسية المألوفة إلى الواجهة، سواء في تحد مباشر لعزم الاتحاد الأوروبي على الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين أو تمسكاً بالشعارات القومية القديمة المناهضة للهجرة. فقد احتل الحزب الديمقراطي السويدي، اليميني المتشدد، المرتبة الثانية في انتخابات هذا الشهر، وسينضم إلى الحكومة لأول مرة. وفي إيطاليا، شهدت انتخابات يوم 25 سبتمبر فوز جيورجيا ميلوني التي تغلبت على منافسين في اليمين بدفاعها عن «الهوية الوطنية الإيطالية». ويتزايد القلق في ألمانيا بشأن رد الفعل العنيف ضد الثمن الاقتصادي لجهود احتواء بوتين. وتشهد فرنسا تراجعاً في دعم العقوبات الحالية ضد روسيا. 
ويظهر الاستياء من تداعيات الحرب بشكل خاص في شرق أوروبا الشيوعي السابق، حيث تنقسم بعض الدول حول العلاقات مع روسيا. وتجمعت احتجاجات حاشدة في جمهورية التشيك. أما في سلوفاكيا فدعت أحزاب معارضة البلاد إلى اتباع خطى الزعيم المجري فيكتور أوربان، أقرب حليف لبوتين في الاتحاد الأوروبي والمنتقد الصريح للعقوبات. ويرى جريجوريج ميسزنيكوف، رئيس معهد الشؤون العامة، البحثي ومقره براتيسلافا، أن «هذه الحقبة تفضل أعداء الديمقراطية. وبالنسبة لبعض السلوفاك، تعتبر روسيا مثالاً ساطعاً لدولة فعالة تدار بحزم، وليست ديمقراطية ليبرالية يرون أنها مليئة بالفساد وغير فعالة. وهذا يتردد صداه هنا». 

وتتميز سلوفاكيا، العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، في المنطقة بدعمها المنخفض للتحالف العسكري وثقتها العالية بروسيا وقيادتها. وتدعم الحكومة السلوفاكية أوكرانيا جاهدة بفرض عقوبات وتقديم أسلحة ومساعدة نحو 88 ألف لاجئ طلبوا البقاء في البلاد. لكن مواطني سلوفاكيا الذين يثقون في الروس أكثر عدداً من الذين يثقون في الأميركيين. واستخدم زعيم المعارضة روبرت فيكو وأتباعه أسلوب «أوربان» المناهض للاتحاد الأوروبي لتعزيز شعبيته. وتعافى الدعم للحزب «الاشتراكي الديمقراطي السلوفاكي» بزعامة فيكو من مستوى قياسي شديد الانخفاض عند 9.1% في يناير من عام 2021 بعد فضيحة فساد ليصعد إلى 14% الآن، مدعوماً بخطاب شعبوي مؤيد لروسيا. وهذا يضع الحزب في المرتبة الثانية في الساحة السياسية المتشظية في سلوفاكيا. وأعلن فيكو لمؤيديه يوم الثلاثاء الماضي في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا: «الحكومة والرئيس مسؤولان إلى حد كبير عن ارتفاع الأسعار لأنهم دفعوا بسلوفاكيا في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل. والانتخابات المبكرة هي السبيل للخروج من هذه الأزمة». 
وفي جمهورية التشيك المجاورة، احتل حزب «الحرية والديمقراطية المباشرة» اليميني المتطرف للمرة الأولى المركز الثاني في استطلاع للرأي لهذا الشهر، متقدماً على أي حزب في الحكم. وانتقد «توميو أوكامورا»، زعيم للحزب، الحكومة في البرلمان هذا الشهر باعتبارها مجموعة من «دعاة الحرب» الذين يعملون لصالح أوكرانيا. وفي احتجاج في براغ في وقت سابق من هذا الشهر شارك فيه نحو 70 ألف محتج، طالب أعضاء من حزب أوكامورا بمزيد من المساعدات الحكومية. وألقوا ببعض المسؤولية على عاتق الحكومة في المعاملة التفضيلية للأوكرانيين على حسابهم. 

وتكلف أزمة الطاقة في أوروبا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة والمملكة المتحدة نحو 500 مليار يورو (496 مليار دولار) في وقت تحاول فيه الحكومات تخفيف آثار ارتفاع الأسعار، وفقاً لتقديرات مركز «بروجيل» البحثي هذا الأسبوع. 

وكما أشار قادة المعارضة في براتيسلافا يوم الثلاثاء الماضي، فإن المحتجين في أوروبا الغربية يشاركونهم أيضاً وجهة نظرهم بأن الكلفة لا يمكن تحملها. وصرح دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي أن فرنسا وألمانيا تدركان أن احتواء السخط سيصبح صعباً إذا حل شتاء قاس وطويل الأمد ومكلف وتنقطع فيه الكهرباء. وفي ألمانيا، وأساساً في الشرق الشيوعي السابق، مازال هناك كثيرون يشعرون بتعاطف مع روسيا أقوى من تعاطفهم مع الولايات المتحدة. وتشعر الحكومة الألمانية بالقلق من أن يؤدي مزيج ارتفاع أسعار الطاقة والركود، الذي يلوح في الأفق وتسارع التضخم إلى اضطرابات اجتماعية خلال فصل الشتاء. وتقوم الدولة بتأميم أكبر مستورد للغاز لتجنب انهيار صناعة الطاقة. 

وتوصل استطلاع رأي لمعهد «فورسا» للبحوث الاجتماعية والتحليل الإحصائي ومقره برلين إلى أن 42% من الألمان الشرقيين يؤيدون العقوبات ضد روسيا مقابل 66% يؤيدونها في الجزء الغربي من البلاد. وفي الآونة الأخيرة، اتهم المستشار أولاف شولتز المعارضة باستغلال أزمة الطاقة. وتماماً كما في سلوفاكيا، اتحدت الأحزاب السياسية المتطرفة في احتجاج في ألمانيا في نحو نصف سبتمبر. ونظم حزب «دي لينكه» اليساري المتشدد احتجاجاً في مدينة لايبتسيج بألمانيا الشرقية ضد سياسات الحكومة في مجال الطاقة والرعاية الاجتماعية. وأظهرت اللافتات التي حملها مؤيدو الحزب مطالب مماثلة، مثل خفض أسعار الطاقة والتوصل إلى سلام مع بوتين. 
وفي فرنسا، يبلغ الدعم غير المشروط للعقوبات المفروضة على روسيا الآن 40% مقارنة بـ 46% في مارس، وفقاً لاستطلاع منظمة «Elabe» الذي أجرته لصالح قناة «BFMTV». وهذا مع تخطي التضخم في منطقة اليورو 10%. وانتقدت الزعيمة اليمينية المتشددة مارين لوبان التي احتلت المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية في أبريل الماضي الحكومة بسبب زيادة أسعار الكهرباء والغاز 15% وتوقعت أنه لابد من زيادة الضرائب لتغطية كلفة آليات حماية الشركات والمستهلكين من زيادات أكبر في الأسعار. 

أندريا دوديك ودانيال هورناك

صحفيان متخصصان في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»