الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الهندي جاي شانكار إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع، وعلى مدى ثلاثة، أيام لم تكن تتوخى تأكيد الرغبة الهندية في تمتين العلاقات مع المملكة فحسب، ولكن أيضاً تعميق العلاقات أكثر مع بلد تعتبره الهند بالِغَ الأهمية من عدة نواحٍ، بما في ذلك التعاون في مجال الطاقة. الوزير الهندي وصف المحادثات التي أجراها مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بـ«الدافئة والمثمرة».

ولم يناقش المسؤولان المواضيع الثنائية فحسب، وإنما المواضيعَ السياسيةَ والاقتصادية العالمية أيضاً، متعهدَين بالعمل معاً في مجموعة العشرين وغيرها من التجمعات الدولية متعددة الأطراف. وترأس جاي شانكار مع نظيره السعودي الاجتماعَ الوزاري الأول لـ«لجنة التعاون السياسي والأمني والاجتماعي والثقافي»، التي أنشئت في إطار «مجلس الشراكة الاستراتيجية الهندي السعودي». الزيارة كانت تهدف إلى تعميق التعاون مع بلد تعتبره الهند من بين أهم شركائها، حيث تُعتبر علاقات الهند مع السعودية بالغةَ الأهمية بالنسبة للبلد الجنوب الآسيوي. إذ يقيم في المملكة حوالي 2,6 مليون هندي يشكّلون أكبر جالية أجنبية في المملكة.

ويُعد استيراد النفط من السعودية أساسياً في توفير الطاقة للاقتصاد الهندي الكبير، الذي اعتبَره صندوقُ النقد الدولي نقطةً مضيئة في الاقتصاد العالمي. ويذكر هنا أن أكثر من 18 في المئة من واردات الهند من خام النفط تأتي من السعودية. وتربط بين البلدين روابط تعود إلى عدة عقود.

فالعلاقات الدبلوماسية بينهما أُقيمت بُعيد حصول الهند على استقلالها عام 1947، وتلت ذلك زيارةٌ رفيعةُ المستوى لرئيس الوزراء الهندي آنذاك جواهر لال نيهرو إلى المملكة وزيارة الملك سعود بن عبدالعزيز إلى الهند في أوائل خمسينيات القرن الماضي. وأفضت الزيارة التاريخية التي قام بها الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى الهند عام 2006 إلى توقيع «إعلان دلهي»، الذي منح العلاقاتِ الثنائيةَ زخماً جديداً. ومنذ ذلك الحين، دأبت الهندُ والسعودية على إجراء حواراتٍ سياسية متعددة. وقد أضفى رئيسُ الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي وصل إلى السلطة في عام 2014، تركيزاً خاصاً على علاقات الهند مع بلدان الخليج العربي.

وزار مودي السعودية مرتين حتى الآن. الزيارة الأولى كانت في عام 2016، وخلالها اتفق البلدان على السعي إلى تعزيز التعاون في كل المجالات تقريباً، سواء في الاقتصاد أو التجارة أو التكنولوجيا أو الأمن أو تقاسم المعلومات الاستخباراتية أو محاربة الإرهاب. أما زيارته الثانية فكانت في عام 2019، وتُوِّجت باتفاق على تشكيل «مجلس الشراكة الاستراتيجية» بعد أن حدّدت المملكةُ الهندَ، التي تُعد واحداً من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، باعتبارها ضمن مجموعة رئيسية من البلدان التي ترغب في تعميق التعاون معها.

وقُدّرت قيمة التجارة بين البلدين خلال الفترة من أبريل إلى ديسمبر 2021 بنحو 29,28 مليار دولار. ووفق أرقام الحكومة الهندية، فإن قيمة الواردات الهندية من السعودية خلال هذه الفترة بلغت 22,65 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الصادرات الهندية إلى السعودية 6,63 مليار دولار. كما أن هناك حوالي 745 شركة هندية، باستثمارات تبلغ ملياري دولار، في قطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات والبناء والنقل. هذا في حين تقدّر الاستثمارات القادمة من المملكة بـ3,15 مليار دولار.

وقد حققت الهند تعاوناً مع المملكة لتحقيق بعض أهداف «رؤية 2030» في بعض القطاعات مثل زيادة الاستثمارات الثنائية، إلخ. وهناك حالياً محادثاتٌ تجري بين الجانبين بشأن التعاون في قطاعات الاقتصاد الرقمي والمناجم والتكرير والبتروكيماويات والبنية التحتية والزراعة والتصنيع والتعليم والصحة. وخلال زيارته للسعودية، التقى جاي شانكار مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي سلّمه رسالةً من رئيس الوزراء مودي. كما تحدث مع دبلوماسيين في «معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية» في الرياض، مشدِّداً على أهمية العلاقة الاستراتيجية الهندية السعودية في وقت يوجد فيه العالم أمام مفترق طرق في وقت عمّقت فيه جائحة «كوفيد-19»، متبوعةً بحرب أوكرانيا التي هدّدت الأمن الطاقي والغذائي العالمي، الانقساماتِ بين دول العالَم.

وكانت السعوديةُ قد ساعدت الهندَ خلال جائحة «كوفيد-19» إذ أرسلت إليها الأوكسجين الذي كانت بحاجة ماسة إليه خلال الموجة الثانية من الوباء، حين كان البلد الجنوب آسيوي يجتاز أزمةً صعبةً جراء نقص الأوكسجين. وخلال زيارته إلى المملكة، كان للوزير الهندي أيضاً لقاءٌ مثمر مع أمين عام مجلس التعاون الخليجي نايف فلاح مبارك الحجرف، حيث تبادلا وجهات النظر بشأن الوضع الإقليمي والعالمي الراهن، ووقّعَا مذكرةَ تفاهم بشأن آلية المشاورات بين الهند ودول المجلس الست.

وعقب زيارة جاي شانكار، سافر وزير التجارة والصناعة الهندي إلى السعودية أيضاً لترؤُّس الاجتماع الوزاري الافتتاحي لـ«اللجنة الاقتصادية والاستثمارية» مع نظيره السعودي. ويركّز الجانبان على تشجيع المشاريع وإعداد مخططات تروم توطيدَ العلاقات من خلال المبادرات المستدامة. ويشمل ذلك مشاريع مثل مشروع مصفاة الساحل الغربي، والربط عبر المحيط، والأمن الغذائي والطاقي، والهيدروجين الأخضر، والصناعة الدوائية.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي