أعظم ما يميز الحلم الإماراتي، أن لا حدود له، أنه يسعى للقبض على النجوم، وتسخير طاقات الكون، بهدف نبيل وسام، رفعة شأن الكائن البشري في الحل والترحال. في هذا السياق يأتي تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بشأن الهدف من استضافة الإمارات «حوار أبوظبي للفضاء»، أيام الخامس والسادس من ديسمبر المقبل، بهدف صياغة سياسات دولية جديدة في مجال الفضاء، وقيادة حوار عالمي حول أهم التحديات التي تواجه هذا القطاع، مضيفا:«نسعى إلى جعل الإمارات وجهة عالمية رئيسية في علوم الفضاء ومشاريعه».
الحلم الإماراتي بالريادة والقيادة مراحل متتابعة، منذ أن التقى زايد الخير رحمه الله فريق وكالة «ناسا»، الذين قادوا مركبة «أبولو» للقمر، وقد جرت المقادير باللقاء في سبعينات القرن المنصرم. وقد حظي هذا التوجه بدعم المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان طوال العقدين الماضيين، وها هو الحلم يكمل تجلياته يوما تلو الآخر، في ظل رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
يبدو الوعي الإماراتي متنبها إلى أبعد حد ومد، لما بات يشغل الإنسانية، إذ لم يعد الفضاء الخارجي مجرد قمر ونجوم، تشاغب عواطف الشعراء والعشاق، بل ضرورة تحتمها تطورات إيكولوجية على الأرض، بعضها يتجلى في الحال، والآخر يظهر في المستقبل.
عطفا على ذلك، ها هي القوى الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، تعاود برامجها لإرتياد الفضاء، بدءا من القمر وصاروخ أرتيميس، ومرورا بالمريخ عما قريب، وربما وصولا إلى ما لا يمكن تصوره في حاضرات أيامنا، من مواقع ومواضع يرسل صورها تلسكوب جيمس ويب، والذي بات ينقل للحضارة البشرية، ما كان خافيا عن الأعين لملايين السنين.
بجدارة وإقتدار، تسهم الإمارات العربية المتحدة في التنسيق الأممي من أجل صالح ومصالح النوع الإنساني، لا سيما وأن حوار أبوظبي للفضاء سوف يشكل منصة عالمية استثنائية يتبادل خلالها الخبراء وصناع القرار الآراء ويناقشون التحديات والفرص التي يحملها مجال الفضاء للبشرية.
ليس سرا القول أن الفضاء الخارجي للكرة الأرضية، بات مجالاً للصراعات الدولية، حيث عسكرته ماضية على قدم وساق، الأمر الذي يجعل منه مهددا للسلام على الأرض، وليس عاملا معززا للتعايش المشترك.
من هنا يأتي حوار أبوظبي للفضاء، ليصنع حالة من النقاش البشري، بالمعنى والمبني الكوسمولوجي، والذي يتجاوز المنافع البراغماتية بمنظورها الضيق.
حوارات أبوظبي للفضاء فرصة خلاقة للنقاش حول الاحتياجات العالمية الضرورية للإنسانية، وبخاصة في ظل أزماتها المعاصرة، وفي مقدمها أزمة الطاقة، إذ يمكن لطبقات الجو العليا، وما يتوافر على سطح كواكب أخرى، أن يكون معينا للبشريين عند الحاجة.
أضف إلى ذلك أنها فرصة طيبة للتفكير بنوايا صالحة فيما يمكن أن يعود على الإنسانية بالخير، ووضع أطر تشريعية وقانونية تلزم الجميع، والتعاون الجماعي في طريق البنى التحتية المطلوبة لتطوير قطاعات صناعات فضائية، وبما يخدم الإنسانية ويساهم في تعزيز جودة الحياة على الكرة الأرضية.
أحلام الإمارات تتحقق بعزيمة الرجال والرؤى الخلاقة، ولهذا يزدان التقدم الإماراتي دوماً وأبداً، بحلي نافعة لا للإماراتيين أو العرب فحسب، بل لصالح خير كل البشر، إنها الرسالة التي تقوم عليها دولة يُشار لها بالبنان، في عالم لا يعرف ولا يعترف إلا بالسائرين على دروب الأمل، حاملين معهم معاول العمل.
* كاتب مصري