مرت الآن أكثر من ستة أشهر على اندلاع الحرب الأوكرانية-الروسية، وهي أكبر صراعٍ مسلح في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، بدأ في 24 فبراير 2022. ولا يبدو هناك أفق واضح لإنهاء الحرب مع نهاية هذا العام، وربما تستمر لسنوات في صراع ممتد بين الروس وحلفائهم من جهة والأوكرانيين وحلفائهم من جهةٍ أخرى. 
وقد خلفت الحرب، وما تزال تخلف، تأثيراتٍ جمة على القطاعات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والأمنية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. ويحاول هذا المقال تحليل التأثيرات الاقتصادية للحرب على الاقتصاد العالمي.
بادئ ذي بدء، أدت الحرب إلى حالة من عدم التأكد الاقتصادي وتباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي خلال العام الجاري. كما أن التوقعات متشائمة فيما يتصل بالنمو خلال العام المقبل (انخفاض بمعدل 2.3%-2.5% عن العام الجاري). ويلاحظ أن وضع الاقتصادات الأوروبية بصورة محددة ينتقل من سيئ إلى أسوأ؛ سواء مع تراجع سعر صرف اليورو و/أو ارتفاع معدلات التضخم مدفوعة بزيادة أسعار الطاقة والغذاء وندرة مدخلات الإنتاج وخصوصاً أشباه الموصلات. 
وقد أدت الشهور الخمسة الأولى للحرب إلى ظهور تأثيرات سلبية على أمن الطاقة والأمن الغذائي وتهديد سلاسل الإمداد العالمية. وعلى الرغم من أن أسعار الطاقة قد استقرت نتيجة الطلب العالمي المنخفض على الطاقة، فإن قدوم الشتاء سوف يؤدي إلى زيادة الطلب على وقود التدفئة؛ ما سوف يقود إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى. وعلى الرغم من أنه تم كبح الزيادة الهائلة في أسعار الغذاء، نتيجة لاستئناف تصدير الحبوب الأوكرانية، فإنّ العمليات العسكرية الدائرة الآن في جنوبي أوكرانيا قد تؤدي إلى إعاقة عملية التصدير، ومن ثم تعاود الأسعار الارتفاع.
والحقيقة أن ارتفاع أسعار النفط (يقترب خام برنت حالياً من حاجز المئة دولار للبرميل)، تؤدي إلى زيادة التضخم على مستوى العالم. ومن المحتمل أن تستمر معدلات التضخم المرتفعة قبل أن تبدأ في الانخفاض إلى معدلات ما قبل الحرب في العام 2024-2025. بلغ التضخم العالمي حاليًا مستويات قياسية، فوصل في المملكة المتحدة إلى 10.1%، وهو أعلى مستوى له منذ 40 عامًا، وفي الولايات المتحدة إلى 8.5%، وفي الاتحاد الأوروبي إلى 7.5%. 
ضف إلى ذلك اضطراب الأسواق المالية العالمية، بفعل الارتفاع الملحوظ في أسعار الفائدة. فباستثناء المصرف المركزي الصيني، فإن اتجاه المصارف المركزية عبر العالم إلى رفع أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة مستمر من أجل محاولة السيطرة على التضخم. وفي محاولتها تلك، يتزايد معها احتمال حدوث ركود في الاقتصادات العالمية بحلول عام 2023.
كما أن الوضع السيئ للتوازن المالي ونمو الدين العام، والذي يرجع إلى حد كبير للإجراءات الاقتصادية المتخذة بسبب تفشي جائحة كوفيد-19، لا يُظهر أية علامة على التحسن. ويلاحظ أنّ دولاً أفريقية صاحبة المستويات المرتفعة من الديون أصبحت على شفا الإفلاس، ومن ثم، هناك احتمال لتكرار سيناريو إفلاس اقتصاد سريلانكا في شهر مايو الماضي. كما أن أسواق العمل، ولاسيما في الدول النامية، ما تزال في أوضاع سيئة، مع ارتفاع معدلات البطالة.
وفي الأخير، يلاحظ أن توقعات الاقتصاديين متشائمة بالنسبة لوضع الاقتصاد العالمي في الأجلين القريب والبعيد. ففي الأجل القريب، يؤكد الخبراء أن الاقتصاد العالمي يُظهر مؤشرات محدودة للتعافي من صدمة التضخم التي تسببت فيها الحرب الأوكرانية-الروسية بالنسبة لأسعار الطاقة والغذاء. وهذا المعدل المرتفع من التضخم سوف يبطل كليةً تأثير رفع أسعار الفائدة في معظم دول العالم. وفي الأجل البعيد، تتراوح أرجح توقعات الاقتصاديين بين الركود والركود التضخمي (معدل نمو منخفض مع ارتفاع التضخم) للاقتصاد العالمي.
*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية