أصبحت ملكةً قبل ولادة الكثير منا، وقبل ولادة الكثير من أمهاتنا، بل وحتى قبل ولادة الكثير من جداتنا. نقطة ثابتة على محور يدور. وسواء أأحببتها أم لا، فإنها كانت دائماً حاضرة. الموت، والضرائب، والملكة إليزابيث الثانية، كانت الأشياء الوحيدة الأكيدة في الحياة خلال 70 عاماً، إلى أن انطفأت يوم الخميس عن 96 عاماً. المؤسسة التي كانت تجسّدها، مؤسسة كبيرة بـ28 مليار دولار من الألقاب والممتلكات الموروثة.

ماذا عن المرأة نفسها؟ منصبها منعها من الجهر بآرائها في السياسة، والانتخابات، والحركات الاجتماعية، والأفراد، لأن الملوك المعاصرين لا يسيّرون الحكومة رغم أنهم يظهرون على أوراقها المالية. وربما كنتَ تعرف أنها تحب الأنشطة التي تمارس في الهواء الطلق: الخيل، رحلات القنص... وربما قرأت في مكان ما أنها عندما كانت مراهقة خدمت في الجيش كميكانيكية في الحرب العالمية الثانية، وادّخرت ما كانت تتقاضاه من أجر زمن الحرب لشراء فستان زفافها لاحقاً وبذلك ظفرت بحب أمّة كانت، في تلك الأوقات العصيبة، في حاجة إلى قصة جميلة، وعملية.

وربما كنتَ تعرف، بشكل فضفاض، أن المنصب لم يكن يفترض أن يكون من نصيبها. فقد وصلت إلى العرش عن طريق عمٍّ تخلى عن حقه في العرش، وأبٍ توفي مبكراً، وغياب ولي عهد ذكر. وفي 1952، قامت تركة البلاد فجأة على عاتق أم لطفلين في الخامسة والعشرين من عمرها. المرأة صاحبة أسمى منصب في العالم، سلطتها تأتي من خلال سلّم في الأنساب يمتد عبر قرون، كل ذلك أفضى إلى جلوسها على العرش فترة أطول من أي شخص آخر من قبل، أو من بعد ربما.

لقد كانت مرتبطة دائماً بماضي بريطانيا ومسؤولة دائماً عن مستقبل النظام الملكي. الملك يجب أن يحكم، والملكة يجب أن تحكم وكذلك أن تعير جسدها لفعل الأمومة، وهو ما قامت به إليزابيث أربع مرات.

خلال ولادتها الأولى، كان زوجها فيليب متغيباً، يلعب الاسكواش على ما قيل. وفي ولادتها الرابعة، يقال إنها طلبت منه أن يكون حاضراً في الغرفة. هل كان هذا قراراً سياسياً باسم المساواة بين الجنسين، أم أنها كانت ترغب فقط في دعم زوجها لها؟   أصيبت بكوفيد، وعمدت إلى تقليص مشاركتها في الأنشطة الرسمية. وفي يونيو 2021، توفي زوجها الذي اقترن بها لـ73 عاماً، وفي صورة تم تداولها على نطاق واسع من الجنازة، جلست إليزابيث في التزام بقواعد التباعد الاجتماعي وحيدة في كنيسة سانت جورج، ترتدي كمامة مزدوجة، وهي تتابع النعش الذي يحمل جثمان الأمير فيليب وهو يشقّ طريقه إلى نهاية الممر من دون أي أحد بالقرب منها ليواسيها ويسلّيها.

في هذه اللحظة، بدت غير مستقرة على رجليها، وبدت صغيرة وضئيلة جداً. وبحلول الوقت الذي أعلن فيه قصر باكينغهام صباح الخميس تدهور صحة الملكة، كان واضحاً أننا كنا نتحدث عن ساعات من الوقت بدلاً من أسابيع، في وقت سارع فيه أفراد أسرتها إلى سريرها. أتعلم إلى ماذا ذهب تفكيري على نحو لم أتوقعه؟

لقد أدركتُ أنه خلال حياتي كلها، كانت كلمات النشيد الإنجليزي الفعلي «حفظ الله الملكة»، ولكن الآن ولبقية حياتي، وربما لبقية حياة ابنتي – عبر فترات حكم تشارلز ثم وليام، ثم جورج، كسلسلة من الرجال الذي يخلفون هذه المرأة القوية – ستصبح «حفظ الله الملك». وكأميركية أستطيعُ أن أدلي ببعض الملاحظات، بإعجاب وتجرد، حول ما جعل الملكة ذات أهمية ومغزى كبيرين: لقد كانت تبدو دائماً امرأة عادية على نحو لافت، ولم تكن تنخرط في جولات للترويج لكتاب أو إطلاق بودكاست أو الدردشة مع الإعلاميين.

ولم تبنِ علامتها التجارية بالطرق التي بتنا نتوقعها من النساء القويات الشهيرات، وبدلاً من ذلك، سعت للحفاظ على علامة تجارية عتيقة -بما لها وما عليها – ولكن ليس لنفسها. وهذه بالنسبة لي هي التركة. هذا هو الشيء اللافت: أنه لـ70 عاماً في بريطانيا كانت الملكة الراحلة أهم شخصية في الكومونويلث امرأة كانت عظيمة لأنها أدّت واجبها، أدّته بتفانٍ وأناةٍ وبلا كلل أو تَشكٍّ، لـ25 ألف يوم بينما تقاعد معاصروها أو ماتوا، وتطلّق أطفالها أو تورطوا في فضائح جيفري إبستين، واستقال أحد حفيديها من مسؤولياته الملكية وانتقل للعيش في منزل الممثل الأميركي تايلر بيري في كاليفورنيا، بينما لزم الحفيد الآخر المكان وأنجب ورثته الذين قد يواصلون يوماً ما العمل الذي كانت تقوم به جدتهم منذ ما قبل اختراع حبوب تنظيم النسل. لقد أدّت واجبها، ولا يمكننا إلا أن نقدِّر الحضور من أجل القيام بالعمل وأداء الواجب.

«إنني أعلن أمامكم جميعاً أنني سأكرِّس حياتي كلها، طويلة كانت أم قصيرة، لخدمتكم»، هكذا قالت ذات يوم لرعاياها المقبلين في خطاب إذاعي بثّ في عيد ميلادها الحادي والعشرين.

«وخدمة عائلتنا الإمبراطورية العظيمة التي ننتمي إليها جميعاً». لقد ألّحت على أنها لم تكن سوى موظفة عامة تتحلى بالتواضع. والشيء الأروع هو أنه ربما ذاك هو الدور الذي كانت تقوم به طوال الوقت.

*كاتبة أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»