يعتقد المسؤولون «الجمهوريون» المنتخبون أنهم عثروا على بعبع جديد إلى جانب بعبع النظرية النقدية العرقية المفضلة لديهم. وهذا البعبع الجديد وهو استراتيجيات الاستثمار التي تأخذ في الاعتبار القضايا البيئية والاجتماعية وقضايا الحوكمة. ويصفها منتقدون بأنها «رأسمالية الشكوى من الظلم الاجتماعي». وهناك مشكلة واحدة فحسب وهي أنهم لا يفهمون الرأسمالية فيما يبدو. والهجوم الشديد على أخذ قضايا البيئة والاجتماع والحوكمة في الاعتبار في استراتيجيات الاستثمار، ليس خطأ اقتصادياً فادحاً فحسب، بل رهاناً سياسياً خاسراً أيضاً. 

وفي بداية الأمر، ركز المنتقدون «الجمهوريون» لأخذ قضايا البيئة والاجتماع والحوكمة في الاعتبار في استراتيجيات الاستثمار على قضية البيئة، بحجة أن تغير المناخ لا ينبغي أن يكون عاملاً في قرارات الاستثمار. وتبنت ولاية تكساس قانوناً يقيد الولاية والمحليات ومجالس المعاشات التقاعدية من التعامل مع الشركات المالية التي تسعى للحد من تعاملها مع شركات الوقود الأحفوري. وحتى الشركات التي لديها استثمارات كبيرة في الوقود الأحفوري يجري حظرها، إذا تجرأت على محاولة تسعير مخاطر المناخ في مخصصات محافظها. وسنت أوكلاهوما قانوناً مشابهاً، ويتحرك قادة «جمهوريون» آخرون في الاتجاه نفسه. والشهر الماضي، أيد الحاكم الجمهوري لفلوريدا، رون ديسانتيس، قراراً يمنع مديري صناديق المعاشات التقاعدية من النظر في قضايا البيئة والاجتماع والحوكمة.

ويضع كل هؤلاء المناهضين لأخذ قضايا البيئة والاجتماع والحوكمة في الاعتبار في استراتيجيات الاستثمار أنفسهم في صورة المدافعين عن السوق الحرة. لكنهم يحاولون استخدام الحكومة لمنع الشركات الخاصة من العمل تحقيق أقصى مصلحة لعملائهم، بما في ذلك ضباط الشرطة المتقاعدون والمدرسون وعدد من الأشخاص الآخرين الذين يعتمدون على معاشات التقاعد العامة. وبذلك، فإنهم يقلبون أبسط قواعد الاستثمار رأساً على عقب. فأي مدير أموال مسؤول، لا سيما المسؤول عن واجب ائتماني لدافعي الضرائب، يسعى إلى بناء محفظة متنوعة (تتضمن الطاقة)، ويقيد ويخفف المخاطر (منها المخاطر المرتبطة بتغير المناخ)، ويأخذ في الاعتبار الاتجاهات العامة التي تشكل الصناعات والأسواق (مثل الانخفاض المستمر في أسعار الطاقة النظيفة).

وهذا من أبجديات الاستثمار ولا يفهمه المنتقدون «الجمهوريون» أو أنهم يخدمون مصالح شركات الوقود الأحفوري. وقد يجمعون بين الاثنين. وفي كلتا الحالتين، يقفون في طريق أقوى قوة يمكننا حشدها في مكافحة تغير المناخ وهي القطاع الخاص. والمخاطر بلغت الذروة. وكل يوم يأتي بقصص جديدة عن أحداث مناخية تتسبب في دمار المجتمعات في جميع أنحاء البلاد وحول العالم. فظروف الجفاف سيئة للغاية في بعض المناطق، وانحسار مستويات المياه كشف عن كل شيء، من مدن قديمة وسفن تعود إلى الحقبة النازية إلى آثار العصر الحجري الحديث ومسارات الديناصورات. ونهر الدانوب، كأنهار أخرى حول العالم، تعرض لجفاف وهناك صعوبة في الشحن عبر هذه الأنهار، مما أدى إلى تفاقم مشاكل سلسلة التوريد في العالم. وفي أماكن أخرى، أخرجت الفيضانات السكان من منازلهم، وقتلت أكثر من 36 شخصاً في ولاية كنتاكي الشهر الماضي وحرمت كثيرين في مدينة جاكسون بولاية ميسيسيبي من مياه الشرب. وفي باكستان، تسببت الفيضانات في مقتل أكثر من 1100 شخص. فالموت والدمار نتيجة موجات الحر وحرائق الغابات سجلا أرقاماً قياسية. 

ويعلم الشعب الأميركي أن تغير المناخ يمثل حقيقة، كما تظهر استطلاعات الرأي باستمرار، وأغلبية كبيرة تريد معالجته، وليس فقط من خلال الإجراءات الحكومية. وأظهر استطلاع للرأي العام الماضي أن ثلثي المستثمرين يدعمون صناديق التقاعد التي تقدم خيارات تتعلق بقضايا البيئة والاجتماع والحوكمة. هناك أيضاً دعم قوي بين المستثمرين لمزيد من الشفافية بشأن انبعاثات الكربون، ولسبب وجيه. 

وفي عالم يتجه بسرعة نحو الطاقة النظيفة، تضع الشركات التي تعتمد على الوقود الأحفوري المستثمرين في خطر أكبر. وتتزايد رغبة الشركات المالية والمستثمرين الأفراد في معرفة ماهية هذه المخاطر، حتى يتمكنوا من تضمين هذه المعلومات في قرارات تخصيص رأس المال الخاصة بهم. ومن الجهود التي ساعدت في قيادتها ما يسمى بـ «قوة المهام المعنية بالانكشاف المالي المتعلق بالمناخ». وهذه القوة أدرجت الآلاف الشركات التي وافقت طواعية على تقديم بيانات حول انبعاثاتها وانكشافها على مخاطر المناخ، مثل اضطرابات سلسلة التوريد. وتريد هذه الشركات وغيرها أن تكون قادرة على تسعير مخاطر المناخ في قراراتها الاستثمارية. وبدون بيانات دقيقة وموثوق بها لا يمكنها ذلك. 
ونظراً لهذا الطلب الذي يحركه السوق على البيانات، والدعم العام القوي من الحزبين للعمل المناخي، تمضي لجنة الأوراق المالية والبورصات قدماً في تبني متطلبات إعداد التقارير تستند على إطار العمل الذي أقمناه، كما فعلت دول أخرى أيضاً. 

والحقيقة أن مخاطر المناخ هي مخاطر مالية. وكلفة الحوادث المناخية المرتبطة بتغير المناخ بلغت الآن 100 مليار دولار سنوياً - وهذا يعني فقط الخسائر المؤمن عليها. وأخذ هذه الخسائر وغيرها في الاعتبار ليس سياسة اجتماعية، بل استثمار ذكي. ومنع الشركات من القيام بذلك يكلف دافعي الضرائب كثيراً. وتوصلت دراسة حديثة لقانون تكساس المناهض لأخذ قضايا البيئة والاجتماع والحوكمة في الاعتبار عند الاستثمار إلى أن دافعي الضرائب يمكنهم دفع 532 مليون دولار إضافية كفوائد على كلفة الاقتراض، بناء على معلومات الأشهر الثمانية الأولى فقط من عام 2022. ولا غرابة في هذا لأن الولايات حين تقيد المعروض من الشركات المؤهلة لتمويل ديونها وإدارة معاشاتها التقاعدية، تستطيع الشركات المتبقية فرض أسعار فائدة أعلى وانتزاع رسوم أعلى.

وسندفع جميعاً بالتأكيد كلفة أكبر بكثير إذا واصلنا السماح للمسؤولين المنتخبين بمنع القطاع الخاص من العمل بشأن تغير المناخ. والنبأ السار هو أن الجيل التالي من الزعماء «الجمهوريين» يفهمون أن السوق له دور حاسم يلعبه. وجاء في استطلاع رأي في الآونة الأخيرة، أن ثلاثة أرباع الجمهوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و39 عاماً يعتقدون أن البلاد يجب أن تفعل المزيد لإعطاء الأولوية للطاقة النظيفة، بما في ذلك إقرار ضريبة الكربون. ونأمل أن تبلغ هذه الرسالة شيوخهم قريباً. وحتى يحين هذا، ربما يجب علينا إرسالهم جميعاً إلى فصل محو الأمية المالية. أو من الأفضل، إرسالهم في رحلة عبر نهر الدانوب.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»