من اعتاد زيارة أوروبا في شهر الصيف وخاصة في بلدان مثل فرنسا وبريطانيا وهولندا وإسبانيا والبرتغال، لابد وأن يكون قد لاحظ موجة الحر الشديدة التي عمت هذه البلدان، ولابد وأن يكون قد تابع النقاشات في تلكم البلدان عن الجفاف ومخلفاته وعن درجة «التأهب» القصوى لتزويد المناطق المتضررة بالماء الصالح للشرب، ثم لا بد وأن يكون قد شاهد شاحنات كبيرة تنقل الماء إلى المقاطعات المتضررة.
وأنا أكتب هذه الأسطر، فإنه أكثر من مائة بلدة في فرنسا لم يعد لديها حالياً ماء صالح للشرب، وهو ما لم يقع في تاريخها فقط، ففرنسا لم تعد تلك البلدة التي عهدناها عندما كنا ندرس فيها، حيث لم تكن هناك أي مشكلة في المياه طول السنة، فهناك اليوم مدن ومقاطعات تشكو نقصاً في ماء الشرب وتتم عمليات التزود من خلال شاحنات نقل الماء. 
كما أنشأت الحكومة الفرنسية خلية أزمة وزارية للنظر في «الوضع التاريخي الذي يمر به عدد كبير من المناطق». وبات واضحاً أن تواتر موجات الحر يجعل من تداعيات الاحتباس المناخي واقعاً ملموساً في فرنسا، وله تداعيات مباشرة خصوصاً على الزراعة والملاحة النهرية والأنشطة الترفيهية المائية. 
وعلى شاكلة فرنسا، تشهد دول في الاتحاد الأوروبي موجات حر وجفاف استثنائية، فبريطانيا خضعت لضغط جوي حاد الشهر الماضي، حيث شهدت ارتفاعاً في درجات الحرارة للمرة الأولى تفوق 40 درجة مئوية. ويبقى الوضع خطيراً جداً بالنسبة لإنجلترا على وجه الخصوص؛ إذ اعتبر شهر يوليو الأكثر جفافاً منذ عام 1935، وهذا ما جعل السلطات توقع مرسوماً يحظر ري الحدائق أو غسل السيارات أو ملء أحواض السباحة الخاصة في هامبشاير وجزيرة وايت... كما أن السلطات الهولندية أعلنت منذ أيام حال «النقص الشديد للماء».
ثم إنه لا يجب أن ننسى الحرائق المهولة التي تأتي على الأخضر واليابس في أوروبا والعديد من دول العالم، زد على ذلك أن البنك الدولي يحذر من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين أكثر الأماكن على الأرض عرضة للخطر نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر، خاصة المناطق الساحلية المنخفضة. كما توقع أن يتعرض عشرات ملايين البشر في المنطقة لضغط نقص المياه بحلول عام 2025. وشح المياه نتيجة الجفاف سيؤدي بدوره إلى زيادة الضغط على موارد المياه الجوفية وإلى قلة المحاصيل الزراعية.
إن الحرارة في العالم سترتفع بواقع 1.5 درجة مئوية، وستتكرر الموجات الحارة الشديدة باستمرار وذلك بسبب الاحتباس الحراري. 
وتبقى النشاطات البشرية هي التي تتسبب في كل هذه المصائب، والعالم لا يتعظ، ولا تنظر الدول إلا إلى مصالحها الخاصة.. والمصيبة أن تداعيات أزمة المناخ تصيب دول العالم بأسرها وإنْ لم تكن طرفاً فيها كما هو شأن دول أفريقيا. 

* أكاديمي مغربي