لبنان، البلد الذي كان يلقب «سويسرا الشرق»، وضَعه مؤشرُ السعادة للعام 2022 في ذيل القائمة، ليكون ثانياً ضمن أكثر الشعوب تعاسةً هذه المرة بعد أفغانستان. وبغض النظر عن هذا التصنيف ومعاييره فإن ما يتعرض له الشعب اللبناني من تداعيات مستمرة يقلقنا، فنحن وغيرنا من العرب لطالما تغنينا بلبنان الذي كان قلبُه يتسع للجميع، هذا البلد الذي كان قِبلةَ السياح العرب وشهد انتعاشاً في فترات سابقة جعلت مهاجريه يشدون الرحال عائدين ليستقروا فيه، لكن للأسف كثيرٌ منهم، ومن غيرهم، جُمدت أموالُهم في المصارف، وبعضهم عاد لبلاد الهجرة ليرافقه مهاجرون جدد. لبنان البلد الجامع المتنوع في فسيفسائه وفي طبيعته الغناء، يعاني من أزمة اقتصادية حادة انعكست على سكانه، فأن تجد الطوابيرَ تنتظر دورَها لأخذ الخبز والمواد الأولية وحليب الأطفال، فهذا مشهد أصبح معتاداً في هذا البلد.
نحن في الإمارات لطالما دعمنا الشعبَ اللبناني ووقفنا معه، ونحن نشعر بالحزن لواقع حال هذا البلد، ويهمنا أن يستعيد لبنانُ مكانتَه التي يستحقها في أقرب وقت ممكن، لكن المشكلة في لبنان لا تحل فقط بدعم أو مساندة، بل ما يحتاجه لبنان هو أن يتحد السياسيون فيه على كلمة واحدة وهي «إنقاذ لبنان»، وأن يكون الوطن فوق كل اعتبار، وأن يتم التوافق على انتشال البلد مما هو فيه، وكلنا نعرف، وباعتراف سياسيين لبنانيين، أن الفساد هو أهم العوامل التي تدمر البلد، ناهيك عن لعبة الاستقطاب وامتداد الأيادي الخارجية ووجود ولاءات لغير لبنان ضمن بعض الكتل السياسية ممن له قدرة على التحكم بمسار الأمور، ونقول البعض على أمل أن يستطيع الوطنيون في لبنان العملَ على إنقاذ ما يمكن إنقاذه في أقرب وقت.
مر عامان على انفجار مرفأ بيروت الذي لم يفرق بين دين وآخر، وبين طائفة وأخرى، وحتى بين الغني والفقير، الفاسد والشريف.. فهذا الانفجار هز لبنان كلَّه ودمر جزءاً كبيراً من مدينة بيروت التي نحب، وتسبب بخسائر قدرت بمليارات الدولارات، وفي قتل أكثر من 200 شخص وجرح أكثر من 6000 آخرين، وكان سببه شحنة من الأمونيوم قدرت بأكثر من 2750 طن لم يعرف حتى الآن لماذا تم تخزينها هناك لسنوات! ولم يتمكن القضاء من القيام بدوره وإكمال التحقيق وتوجيه الاتهامات للمتسببين، فالعدالة ما تزال مشلولة. وقد اكتمل هذا المشهد بانهيار صوامع القمح بعد حريق امتد لأيام دون التمكن من إيقافه لتكون شاهدةً على ما يحدث في لبنان.
استحقاق جديد أيضاً يعيشه لبنان يتعلق بترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وأعتقد أن هذا الملف إن تم التوصل لحله قريباً، سيساعد لبنان مستقبلاً على الخروج من أزمته. ومن المعروف أن الدولتين تعملان على التوصل لاتفاق حول المناطق البحرية الاقتصادية بوساطة أميركية خاصة فيما بتعلق بمناطق نفطية وغازية مكتشفة في البحر. وربما يتوافق الطرفان على عملية تنقيب مشترك أو عبر شركة ليتم تقاسم الأرباح في المناطق المختلَف حولها، وفي حال تم الاتفاق فاعتقد أنه على لبنان أن يستغل هذه الفرضة التاريخية ويبني حكومتَه على أسس وطنية يبتعد فيها عن الفاسدين، ويعيد الإعمارَ ويعود للمكانة التي يستحق من جديد. لكن قبل كل ذلك على لبنان أن لا ينجر إطلاقاً وراء أي تصعيد جديد في المنطقة، خاصة بعد التصريحات التي خرجت عن «حزب الله»، والتي قد تقود البلاد لما لا تحمد عقباه، فحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكبر الداعمين للبنان، حذَّر من أن لبنان لن يتحمل أي نزاع جديد عند حدوده، والذي سيكون الأكبرَ من حيث الفتك والتدمير.

كاتب إماراتي