منذ الأربعاء التاسع من أبريل وحتى الأربعاء 27 يوليو 2022 وما أتى وسيأتي بعدها، أنّ الديمقراطية العِراقية ديمقراطية غنيمة، فالوقائع لا تفسر بوقوعها حسب، وإنما بتراكماتها وتداعياتها، فلم يكن اقتحام تيار بذاته لبيت «الديمقراطية» هو الوحيد. كان مقتحماً بالغنيمة، مارسه الجميع، عملوا فئوياً لا وطنياً منذ الشّروع بالكذبة وتصديقها. وجهت الأحزاب كافة أتباعها إلى أن العِراق دولة تُغزى وتُغنم مِن داخلها.

أرى في الرواية، أكانت صدقاً أم كذباً، تأكيداً لمقولة «النَّاس على دين ملوكهم» (الفخري في الآداب السُّلطانيَّة)، أو«على دين الملك»(المقدمة)، ونعني الرؤساء كيف وجهوا أتباعهم للغنيمة. استخلص الطَّبريَّ (تـ: 310هج) قاعدة اجتماعية، بروايته: «كان الوليد صاحب بناء واتخاذ للمصانع والضياع، وكان الناس يلتقون في زمانه، فإنما يسأل بعضهم بعضاً عن البناء والمصانع فولي سُلَيْمَان، فكان صاحب نكاح وطعام، فكان النَّاس يسأل بعضهم بعضا عن التَّزويج والجواري، فلما ولي عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرَّجل للرجل: ما وردك اللَّيلة؟ وكم تحفظ من القرآن...؟»(الأُمم والملوك).

قدمت الرواية تصوراً لتأثير التوجيه على النَّاس؛ فلو توجه الرؤساء، بعد 2003، إلى البناء، لما هيمنت مقولة «مجهول المالك» (قيلت قديماً واشتهرت بعد 2003) لتشريع نهب الدولة، والنَّهب ليس المقصود صبيحة سقوط بغداد، فما حصل بعدها كان الأفظع. إلا أنَّ تطبيق «مجهول المالك» ضمن روايةٍ مِن روايات تقول: «الدنيا وما فيها لله ورسوله ولنَّا»(النَّجفيّ، جواهر الكلام).

لكنّ، اعتبار العِراق «مجهول المالك» لا يتعلق بأتباع أصحاب المقولة فقط، إنما حَلت بعيون الجماعات المتنفذة كافة. هذا هو التَّوجه العام، ويدخل فيه أن الدولةَ لا وجود لها، بل بالغوا بالإثم وجعلوا العِراق مصطنعاً. كانت المعركة، وراء كلِّ إجراء انتخابات، بسبب الغنيمة، أي «مجهول المالك»، فلا ذَنب على المُغتنم المتدين، ولا خيانة على غيره، لأنّ الاثنين أصلاً لا يؤمنان بوجود العِراق.

ترى القوى الكُرديَّة لا وجود له أساساً، والأحزاب السنيّة تراه دولة الشّيعة، والأحزاب الشيعية ترى لا شرعية للدولةِ، وما يجمعهم الغنيمة لا غيرها. شكل كلُّ حزبٍ دولته، مكاتب وعقارات وفضائيات مصدرها الغنيمة. ماذا تنتظر مِن رئيس مجلس الحكم العِراقيّ، يطالب العِراق بدفع خسائر الحرب لإيران؟! وبه وجه أتباعه إلى أن العراقَ عاقٌ يستحق العقوبة! ماذا تنتظر مِن رئيس جمهورية عندما نُبه، عن مادة فرضتها القوى الدينية، قال: «لا تخصنا»!

بمعنى أنَّ الرّئيس اعتبر نفسه رئيساً للمجهول لا العراق! وعندما يتحدث رئيس الوزراء عن الموصل أنّها لا تعنيه، وحصل التَّخلي عنها(2014). ماذا عن إهداء مجسم «ذي الفقار» للوزير الغازي! لأنَّه في قلب الهادي، الاعتراف بالجميلٍ لمنحه المنصب، الذي لم يحلم به، فثقافته مِن حزبه «ذوبان» العِراق. يتحكم، في ديمقراطيَّة الغنيمة، ولدُ وزيرٍ بحركةِ الطَّائرات! ويُقتل ثمانمائة محتج والقضاء أخرس! ويبيع النِّفط فيها من تطوله يده، ويسمح الدستور لثلاثة محافظات تأسيس إقليم(دولة)، واللّطم والنِّياحة مادة دستوريَّة، فما الغرابة أنَّ مورس التَّسوط اليوم داخل البرلمان؟!

 

يقول ابن عباد(تـ: 385هج) عن نحت الغنم مِن الغنيمة أو العكس: «الغنم: الشّاءُ، هذه غَنَمٌ للجَماعَة، وَتَغَنَمْت غَنَماً: اتَّخَذْتها، ولفلانٍ غَنَمانِ: أي قَطِيعان. والغُنْمُ: الفَوْزُ بالشَّيْءِ من غيْر مَشَقةٍ»(المحيط في اللُّغة). أقول: مَن تكبد المشقة مِن «القطط السِّمان» بعد(2003)؟! هذا، وباستبدال الحروف تصبح الغنم نغم «حُسْنُ الصَّوتِ»(المحيط)، وديمقراطيتنا غنمة لا نغمة! ولولا فرسان الخراب لكانت نغمة.

* كاتب عراقي