ربما فكرتَ بالطريقة نفسها التي أفكرُ بها مع قرب موعد اليوم العالمي للشباب، وتخيلتَ بأنكَ ابن لجيلٍ قد توارى، وعلى الجانب الآخر، هناك مَن قضى سحابة شبابهِ، ويتنمى لو امتدت به إلى هذا العصر. فالشباب يتميز بالقوة والحركة وسرعة التأثر، ويتحمل المتاعب والسقوط والنهوض، ويحبُ الاستطلاع، ويكرهُ القيود والأغلال.

وعلى أساس هذه الصفات لمرحلة «ربيع العمر»، سنعرض مقارنةً بين شباب عاصر حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى انتهاء الحرب الباردة، وبين شباب العولمة المعاصر. لنبدأ المرحلة الأولى مع ظاهرة مهمة أُطلق عليهاBaby boomers، فهذا المصطلح يشير إلى أولئك الذين ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية حتى منتصف الستينيات من القرن الماضي، حيث ضخامة عدد المواليد من آباء شباب، وذلك بسبب الدعم الكبير في سياسات الحكومات، التي تكبدت خسائر بشرية هائلة مع الدمار في البنية التحتية جراء أكبر حرب شهدتها البشرية.

لكن الأمر لا يقتصر على تلك الدول، بل جُلّ الدول بدأت تُطَور الخدمات الحكومية في الصحة والتعليم والاقتصاد والتنمية. وقد دعمت منظمة الأمم المتحدة حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والتعاون بين الأمم، وتبنت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فكان الشباب مشاركاً ووقوداً للصناعات والتعليم والعمل والاستهلاك، وللحركات الثورية والوطنية والداعية للتحرر والمحافظة على البيئة والمناهضة للحروب وغيرها كالحركة النسوية. واتسمت هذه المرحلة، بالتنمية الأساسية الحكومية وتوفر فرص العمل، ورخص التعليم، والزيادة في الإنتاج والاستهلاك، بالإضافة إلى المؤانسة المتعددة من تلفاز وراديو وسينما وروايات ومجلات وسيارات ونوادي وموسيقى وألعاب إلكترونية وغيرها كالأطعمة المنتشرة والملابس والسياحة. أما الوجه المظلم في هذه الحقبة، اندلاع حروب دولية وأهلية محدودة، مع انتهاكات جسيمة للإنسان، وفقر وتخلف في بعض المجتمعات والدول، التي لم تستطع النهوض بالحاجات الأساسية لشعوبها.

وإلى الشباب المعاصر ليومنا، فإنهم يعيشون في عولمة لكل قضايا وشؤون العالم وفي اعتماد متزايد بين الدول والشعوب، وتحت سماء مفتوحة بأسرع وسائل الاتصال والتواصل والحصول على المعرفة، بالإضافة إلى الوفرة الكبيرة في السلع والخدمات المتعددة، وجودة الحياة في الصحة والتعليم، والمشاركة في قضاياهم وتحدياتهم وأهدافهم، مع تفعيل مشاركة ذوي الهمم. ويهتم الكثير من شباب اليوم بالتطور الصناعي التقني وشؤون البيئة والاختراعات وبدائل الطاقة المتعددة.

فرغم هذا العالم الرَحبُ والجميل، إلا إن هناك سموماً يعيش فيها بعض الشباب من التطرف لمعتقداتهِ وعدم تماسك الأسرة، إلى مَن يستغل الشباب في جرائم وانتهاكات للحرية والجسد، كما توجد شرائح وأعداد كبيرة من الشباب حول العالم لا تتوفر لهم فرص الحياة الأساسية من تعليم وعمل وصحة وأمن، لذا فهم يغيبون عن المشاركة الفعالة والقدرة على الاستمتاع بالحياة، ناهيك عن استمرار الفقر والمرض في بعض المجتمعات وتزايد الدول الفاشلة واللاجئين. وفي غَدٍ عندما يصل الطفل الإماراتي مرحلة الشباب سنقول له: شبابكَ تحت ظلال التنمية المستدامة الوارفة، ما أسعَدَ جيلكم.

* كاتب ومحلل سياسي