جاء توصيفُ منظمة الصحة العالمية للوضع العالمي المتعلق بجدري القردة، على أنه أصبح طارئاً صحياً عالمياً، ليضيف حلقةً جديدةً في مسلسل الصراع الأبدي والتاريخي بين الإنسان وبين الفيروسات.

وأقدمت المنظمة الدولية على هذه الخطوة، بعد أن تخطى عدد الحالات أكثر من 16 ألف إصابة في 75 بلداً من العالم. وتوصيفُ جدري القردة كطارئ صحي عالمي، يضعه في أعلى مرتبة ممكنة من الخطورة على الصحة العالمية، وهي مرتبة لا يشاركه فيها حالياً إلا فيروسي «كوفيد-19» وشلل الأطفال.

وبعد هذه الخطوة بأيام قليلة، أعلن العلماءُ البريطانيون أنهم توصَّلوا للسبب خلفَ إصابة أكثر من ألف طفل في 35 دولةً، غالبيتُهم دون سن الخامسة، بالتهاب شديد في الكبد حيّر الأطباءَ، بلغت خطورة حالة بعضهم ضرورةَ إجراء عمليات زراعة كبد، 12 منهم في بريطانيا وحدها.

ويرجِّح العلماءُ أن السبب هو عدوى مشتركة من فيروسين معاً؛ الفيروس الأول ينتمي لمجموعة «الآدنو فيرس»، ومعروف عنه تسببه في الإصابة بالبرد العادي والنزلات المعوية. أما الفيروس الثاني فلا يتسبب في أي مرض في الحالات العادية، إلا إذا كان الشخص مصاباً في نفس الوقت بعدوى فيروس «الآدنو فيرس».

وما يعتقده العلماء أن هذه العدوى الثنائية المتزامنة من الفيروسين معاً، انتشرت على نطاق واسع بعد انتهاء إجراءات الحجر والعزل الصحي المشددة، والتي وفَّرت وقايةً لهؤلاء الأطفال، لكنها في الوقت ذاته حرَمت أجهزتَهم المناعية من التعرض لتلك الفيروسات بالمعدلات الطبيعية، بحيث أصبحوا عرضةً للمضاعفات الخطيرة التي تجسدت في شكل التهاب وتلف شديد في الكبد بدرجة هددت حياتهم. ويأتي توالي هذه الأخبار، عشيةَ اليوم العالمي لمرض فيروسي آخر، يقتل ضحيةً كل 30 ثانيةً، ألا وهو مرض الالتهاب الكبدي الفيروسي، والذي يحل كل عام في الثامن والعشرين من شهر يوليو.

هذا المرض، في نسختيه (B) و(C)، يقتل سنوياً أكثر من مليون ومئة ألف شخص، ويصاب به سنوياً للمرة الأولى 3 ملايين. ويقدر أن من 9.5 مليون فقط يتلقون حالياً العلاج ضد فيروس (C)، أما التهاب الكبد الفيروسي (B) فيقدّر أن 10% فقط من المصابين بالصورة المزمنة من هذا النوع تم تشخيصهم، ومن بين هؤلاء يتلقى 22 في المئة فقط العلاج المناسب. ولذا، وحتى في ظل وباء «كوفيد-19» الحالي، لا يمكن التغافل عن مرض يتسبب في هذا الثمن الإنساني الفادح، وينتج عنه حجمٌ هائلٌ من الخسائر الاقتصادية والاجتماعية.

وجدير بالذكر أن التوصيات الطبية الخاصة بجدري القردة، تتطلب عزل الأشخاص الذين كانوا في تواصل لصيق مع حالة إصابة مؤكدة، ولمدة 21 يوماً على الأقل. ويَمنح التطعيم المتاح ضد الجدري العادي وقايةً بنسبة 85 في المئة، وحصل تطعيم آخر طوّرته شركةٌ دنماركيةٌ على اعتماد الاتحاد الأوروبي عام 2013، وعلى الاعتماد في الولايات المتحدة عام 2019.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية