بعد أن اعتُبر في حالة «موت دماغي» في نوفمبر 2019 من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وعُدّ قديماً ومتجاوَزاً من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب طوال فترة رئاسته، يبدو الناتو اليوم قوياًّ، بل يمكن القول إنه لم يسبق له أبدا أن بدا في مثل هذه الحالة الصحية الجيدة.

كانت قمة مدريد مناسبة لاحتفاء بلدان الناتو بقوة تحالفها ومتانته، مناسبة قررت خلالها زيادة نفقاتها العسكرية بشكل كبير. إذ لعب بوتين دور «الإطفائي مشعل النار» بعد أن أعادت الحرب التي شنّها في أوكرانيا إحياء «الناتو» لدرجة أن بلدين محايدين تقليدياً، السويد منذ قرنين وفنلندا منذ 1945، قررا الانضمام إلى الحلف.

وأُشيد بالوجود العسكري الأميركي من قبل الأوروبيين، ونُسي إخفاق كابول. ولكن لماذا عادت الولايات المتحدة إلى أوروبا منذ بداية القرن وباتت الصين أولويتها الاستراتيجية المطلقة؟ الواقع أن الناتو بات يعتبر الصين تحدياًّ استراتيجياً منذ بعض الوقت.

ومما لا شك فيه أن إشارة تحالف الناتو العسكري إلى الصين، التي هي خارج نطاق عمله، يمثّل انتصاراً لواشنطن. إدارة بايدن أبانت عن انسجام منطقي. ذلك أنها تريد الاستفادة من الحرب في أوكرانيا من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية بسهولة أكبر. وبايدن يريد حشد الأوروبيين وأخذهم معه في حملته المناوئة للصين. ولهذا الغرض، يركز الرئيس الأميركي على الطابع الديمقراطي الذي تتقاسمه الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين. صور قمتي مجموعة السبعة والناتو تُظهر معسكراً غربياً أكثر اتحاداً من أي وقت مضى.

وفضلا عن ذلك، فإن ضيوف قمة الناتو لم يكونوا سوى كوريا الجنوبية واليابان ونيوزيلندا وأستراليا، أي حلفاء واشنطن الاستراتيجيين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حلفاء تؤكد الدعوة التي وُجهت لهم فكرة الاحتواء العام للصين.

غير أنه في مناخ الوحدة هذا، يمكن أن يشكّل الميل إلى الاصطفاف والتوافق مع الأجندة الاستراتيجية الأميركية فخاًّ، ألا وهو فخ جعل الناتو تحالفاً عسكرياً ل«صدام الحضارات»، وجعل هذا التحالف الذي أريد له في الأصل أن يكون دفاعياً ضد التهديد السوفييتي – والروسي الآن – تحالفاً عالمياً يتدخل في جميع المناطق، ويكون هدفه في النهاية ودائما تحت القيادة الأميركية هو مواجهة ما يعتبرونه تهديداً صينياً.

ومما لا شك فيه أن لدى الأوروبيين اختلافات وخلافات مع الصين، غير أن كل هذا لا ينبغي أن يشكّل نبوءة ذاتية التحقق: ذلك أنه من فرط تصوير الصين على أنها تهديد، يمكن أن تصبح العلاقات بين أوروبا والصين عدائية، ويمكن أن يزداد الانقسام بين الغربيين وبقية العالم ويتفاقم. السعي وراء الهيمنة العالمية بين الولايات المتحدة والصين لا يهم أوروبا ولا يعنيها. فأن تصبح أوروبا القوة العالمية الأولى لن يؤدي بالضرورة إلى إفقار أوروبا أو تعريضها للخطر.

ولكن التحدي بالنسبة للأوروبيين هو أن يكونوا قادرين على الدفاع عن مصالحهم. ولهذا، ينبغي الحذر من الجنوح الأميركي إلى عسكرة الأجوبة على تحديات سياسية. إذ يجب عدم إعادة إنتاج ما حدث مع روسيا: اختلافات تتحول إلى انقسام قبل أن تؤدي إلى العداء. والحق أنه من الصعب على الأوروبيين مقاومة الولايات المتحدة لأن هناك في الواقع خوفاً معتبراً من قبل بلدان أوروبية بخصوص التهديد الروسي الذي يُسكت المعارضات الممكنة إزاء واشنطن، التي يُنظر إليها على أنها الوحيدة القادرة على ضمان الأمن الأوروبي.

ومناخ الخوف هذا يفيد بايدن الذي يطالب في الوقت نفسه بالوحدة ولكن أيضا بتحالف واصطفاف. والحال أن الأوروبيين ليسوا مضطرين للاصطفاف مع المواقف الأميركية إزاء الصين، ويتعين عليهم السعي لتحقيق أجندتهم الخاصة بهم التي تختلف عن أجندة واشنطن. فجو عدم الراحة، بل القلق الاستراتيجي في أوروبا، ينبغي ألا يمنع الأوروبيين من التفكير والتخطيط لمصالحهم طويلة المدى.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس